الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، وانتقال الحاج إلى أماكن أداء المناسك يتوج بقية الأركان ويحقق جميع مقاصد تلك الأركان من إعلان توحيد الله عز وجل، وإقرار الشهادة برسالة النبي «صلى الله عليه وسلم» وممارسة حقيقة الصلاة من مركز الاتجاه الدائم إلى الكعبة المشرفة والبيت الحرام، ومشاهدة تجليات الله تعالى وأفضاله في ذلك المكان الطاهر، وينقلب بعد هذا الحج المبرور إلى أهله وبلده، وقد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وامتلأت نفسه إيمانا بعظمة هذا الدين الذي جمع أمم الأرض قاطبة حول البيت المعمور، فالحج إذن مؤتمر شعبي دولي لا تشهده الدنيا إلا في ذلك الموسم، والحجيج على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم يصدعون بالتلبية والتهليل والتكبير والتسبيح والحمد لله الواحد العلي الكبير. ومن هذه السلوكيات الروحية والإيمانية يكتسب الحاج كثيرا من ثمار الحج النفسية، التي تشمل: 1 - تعديل أخطاء التفكير يرى علماء النفس أن الطريقة التي تدرك بها الأشياء وليس الأشياء نفسها هي التي تسهم في تشكيل سلوكنا، ومن هذا المنطلق يعد الحج من وسائل تعديل الفكر، حيث يشعر الحاج بأنه فرد واحد داخل منظومة كبيرة وليس شخصا منفردا وفقا لمبدأ المساواة في الحج بلبس الإحرام والامتثال لأوامر الله. 2 - العلاج الذاتي من خلال ملاحظة الذات في الحج يستخدم الحاج الاستبصار والوعي والشعور بالحوادث التاريخية والانفعالية التي مر بها ودعاء الله سبحانه وتعالى أن يغفر ذنبه ويطهره من سلوك خاطئ، ومعاهدة الله على البدء في صفحة جديدة بيضاء خالية من أخطاء الماضي. 3 - المتعة الروحية يجد المسلم أعمق المعاني النفسية وأكثرها رسوخا في عبادة الحج وتدبر معانيه السامية ومبادئ الشفاعة والتوبة والعفة والصفح والتسامح وحب السلم والسلام، ومبادئ الإخاء والمساواة والتماسك والمودة والسكينة ومبادئ الثواب والعقاب، يجد المسلم في كل خطوة من خطوات الحج ما يثبت إيمانه ويرسخ يقينه ورضاه وراحته النفسية والفكرية، وما يقوده إلى التمتع بالصحة النفسية الجيدة. 4 - الأمن النفسي يشعر الحاج بالأمن لأنه قد تحرر من مشاعر الخوف والهلع والفزع والرهبة وتوقع الخطر والأذى، ويصبح مطمئنا على نفسه في حاضره وغده، ويتمتع بالتكيف النفسي والشعور بالرضا عن ذاته وعن المجتمع، ويكون على علاقة وئام وانسجام مع نفسه ومع المجتمع بعدما أصلح العلاقة بينه وبين ربه. 5 - مبدأ الزهد في متاع الدنيا من المبادئ التربوية والنفسية العظيمة في الحج: الدعوة إلى الزهد في متاع الدنيا وزينتها وملذاتها وشهواتها من النساء والذهب والفضة وما إلى ذلك، وهي مما يؤدي إلى الأمراض النفسية وارتفاع درجة التوتر والقلق. 6 - التطهير النفسي النفس البشرية قد تضيق بما تحتويه من المشاعر والانفعالات السلبية، وهي تلك المشاعر التي يظل وجودها على مستوى الشعور يقلق صاحبها ويزعجه ويشعره بالإثم أو الألم، فالحج يعمل على تصريف الشحنة الانفعالية الحبيسة داخل صدر الإنسان والإفصاح عما يجثم على صدره من الهموم والآلام عن طريق الدعاء والبكاء والتضرع إلى الله. 7 - التربية على النظام والطاعة يشجع الحج الإنسان على طاعة الله تعالى والتمتع برضائه والالتزام بالتكاليف بطرق منتظمة ودقيقة بالمحافظة على أداء أركان الحج في مواقيتها، ما يربي الحاج على الدقة والنظام وينتقل ذلك لسائر أوجه حياته. 8 - إعادة تكيف الفرد مع نفسه ومع المجتمع الحج يستهدف إعادة تكييف الإنسان مع نفسه وتحريره من الأعراض والآلام والتوترات والصراعات والعقد التي يعانيها عن طريق تغيير أفكاره ومشاعره وسلوكه، حيث يراجع الفرد نفسه وكيف يبدأ حياته التي أصبحت خالية من الذنوب، وكيف يتعامل مع المجتمع بشكل أكثر إيجابية، حيث وجد في الحج أن قيمته تستمد من قيمة المجتمع، وكيف كانت عظمته وكبرياؤه وهو تحت راية واحدة هي راية الإسلام، وكيف لا يخالف ولاة الأمر والاتحاد مع المسلمين، داعيا الله أن يجمع كل المسلمين تحت راية واحدة، هي راية الإسلام