تثير الرقابة الدولية على الانتخابات البرلمانية والرئاسية جدلا واسعا في العالم، لا سيما في دول العالم الثالث التي يشوب الانتخابات فيها شبهات تبتعد بها عن الحيدة والنزاهة والشفافية بين ممثلي السلطة وممثلي المعارضة، وفي أحدث جدل حولها، جددت مصر عدم سماحها بالرقابة الدولية على الانتخابات البرلمانية التي من المقرر أن تجرى فيها بعد غد، واصفة الإشراف الدولي على الانتخابات بأنه أمر مهين للدول ذات السيادة، مضيفة أن رفضها للرقابة الدولية لا يعني أنها تنوي تزوير الانتخابات. ورفضت مصر بشدة تدخل أمريكا التي طالبتها رسميا بالسماح بالتجمعات السياسية السلمية وتغطية إعلامية حرة ومراقبين دوليين لانتخابات مجلس الشعب، وإعادة النظر في القرارات التي اتخذتها قبيل الانتخابات التي يرى محللون أنها تهدف إلى تقييد حرية أجهزة الإعلام والحد من فرص جماعة الإخوان المسلمين المنافس الرئيس للحزب الوطني الحاكم منذ ثلث قرن، واعتبرت القاهرة أن الجانب الأمريكي يصر على عدم احترام خصوصية المجتمع المصري بتصرفات وتصريحات تستفز الشعور الوطني. ويرتبط بقضية إدارة العملية الانتخابية والإشراف عليها، مسألة الرقابة الدولية على الانتخابات، حيث كان من ضرورات التحول الديموقراطي توفير الضمانات الأساسية التي تستلزمها العملية الانتخابية.. وقد ساعد مناخ عدم الثقة الذي أفرزته بعض السلطات في دعم الاتجاه إلى ضرورة الاستعانة برقابة خارجية على العملية الانتخابية لضمان سلامتها وجديتها. وقد تراوحت هذه المطالب بين استلزام رقابة دولية من خلال منظمات الأممالمتحدة المتخصصة أو من خلال منظمات إقليمية، أو حتى من خلال دول صديقة تتمتع بالثقة والمكانة التي تؤهلها لمراقبة العملية الانتخابية والإدلاء بشهادتها في مدى الحيدة والنزاهة التي أحاطت بهذه العملية. ومن المعلوم أن الرقابة الدولية على الانتخابات تقبل بها الدول الديموقراطية الكبرى في أوروبا وأمريكا ذاتها، رغم قلة احتمالات عدم الشفافية فيها، ولكن لوحظ تزايد قبول الدول الإفريقية لمبدأ الرقابة الدولية على الانتخابات منذ عدة أعوام، حيث توجهت دول إفريقية عديدة بطلبات للمساعدة في إجراء العمليات الانتخابية فيها؛ ضمانا للشفافية وتجنبا للاتهام بعدم النزاهة من قبل القوى السياسية المنافسة، ومثلت التجربة النيجيرية نموذجا مهما بين هذه الدول التي طلبت الرقابة الدولية على الانتخابات التشريعية والرئاسية التي جرت بها على مدى العقدين الأخيرين. وتثير الرقابة الدولية على الانتخابات العديد من القضايا والتحديات المتعارضة، حيث ترى المنظمات والفعاليات الدولية الناشطة في هذا المجال أن هذه الرقابة تساعد دول العالم الثالث على التحول الديموقراطي، وفضح تزييف إرادة الناخبين، ولكنها في الوقت ذاته تثير حساسية لدى بعض الدول التي ترفضها- مثل مصر- استنادا إلى ارتباطها بالضغوط الخارجية، لا سيما في حالة تلقي البلد الذي تجري فيه الانتخابات معونات خارجية، حيث يتم استخدام تلك المعونات وسيلة للضغوط. كما تدفع الدول الرافضة للرقابة، بكونها تعد مساسا بالسيادة والكرامة الوطنية، فضلا عن احتمالات افتقاد الرقابة الدولية للمصداقية، فالمنظمة المسؤولة عن بعثات المراقبة قد يكون لها من الدوافع الخفية أو الأجندة السرية ما يثير الشكوك بشأن عملها ويقلل الثقة في أدائها، وقد تتم الانتخابات في ظل رقابة محلية أو دولية تقرر حريتها ونزاهتها، ولكن القوى الدولية لا تبدي رضاها عن نتائج الانتخابات، الأمر الذي يثير مصداقية تلك القوى في دفاعها عن الديموقراطية وحقوق الإنسان، ويضاف إلى ذلك أن هذه الرقابة الدولية قد لا تتلاءم مع طبيعة البيئة التي تجرى فيها الانتخابات، بحيث تؤدي إلى إثارة المزيد من الصراع والبلبلة في أوساط الرأي العام .