لم يعد التمييز بين المهن مجديا في ظل انحسار ثقافة العيب والتركيز على العمل بوصفه مصدر رزق أيا كان دخله، وذلك ما أكده 140 شابا سعوديا عملوا بجد واجتهاد خلال موسم حج هذا العام في حلاقة رؤوس حجاج بيت الله الحرام في مشعر منى. وأوضح رئيس مجلس التدريب التقني والمهني بمنطقة مكةالمكرمة الدكتور راشد بن محمد الزهراني أنه في موسم حج هذا العام ارتفع عدد الحلاقين المتدربين السعوديين من 100 شاب من خريجي تخصص الحلاقة من متدربي المعاهد المهنية الصناعية بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني إلى 140 شابا لمواجهة الارتفاع المتزايد على الطلب وفي ظل الزحام الذي شهده موقعهم الذي خصصته أمانة العاصمة المقدسة غرب الجمرات بساحة البيعة. وعزا الزهراني ذلك الارتفاع إلى رغبة أكبر عدد من حجاج بيت الله الحرام في الاستفادة مما تقدمه هذه الأيدي من نظافة وخدمة صحية كشفت القناع عما تمارسه بعض الأيدي غير المتخصصة في الحلاقة للحجاج، مؤكدا أن مبادرة هؤلاء الخريجين إلى جانب مدربيهم أسهمت بكسر حاجز العيب المهني الأمر الذي جعل الموقع ينفذ برنامج الحلاقة الآمنة لأكثر من 140 ألفا في يومي التشريق الأولين. برنامج تدريبي من جانبه أوضح مدير المعهد الصناعي والمهني بمكةالمكرمة المهندس حمود الحربي أن للمعهد برنامجا خاصا بإعداد حلاقين مهرة يتم تدريبهم ميدانيا بجانب التطبيق النظري والعملي، مشيرا إلى أن المتدرب يقضي عاما دراسيا كاملا لتعلم هذه الصنعة يمنح بعدها شهادة تمكنه من مزاولة مهنة الحلاقة التي تمكنه من القيام الخريج بفتح محل «صالون» خاص به لمزاولة العمل. وأشار الحربي إلى أن هناك إدارة تحت اسم «الريادة» تابعة للمجلس التقني والمهني تقدم دعما ماديا لهؤلاء الخريجين يصل إلى نحو 200 ألف ريال، حسب حجم المشروع بحيث تدرس المشروع والوقوف بجانب الشاب لمدة ستة أشهر حتى يقف على رجليه. وعما إذا كان هناك اتجاه لفتح أقسام جديدة أمام الشباب مثل الجزارة «ليس هناك ما يمنع ذلك إذا كانت سوق العمل تحتاج إلى شباب يعملون جزارين، سنفتح مثل هذه الأقسام، وقد عملنا دورة تدريبية حول ذلك ولكنها تظل فكرة سننفذها في المستقبل». قناعة كاملة ومن جهة أخرى أعرب عدد من الشباب عن سعادتهم بهذا العمل، وأكد ساعد السلمي أنه يعتبر ممارسة مهنة الحلاقة في موسم الحج عملا شريفا وسيعينه في المستقبل على الحياة المعيشية من خلال فتح محل صالون حلاقة، مشيرا إلى أنه سيعمل في المحل بنفسه متجاهلا نظرة المجتمع لمثل هذه المهن، «نحن فخورون بما أقدمنا عليه من مهن يدوية، ولا نخجل من أي شيء». وأوضح محمد الأحمري أن العمل يُعطي الإنسان قيمته ويُشعره بأهميته فيُعطيه قيمة اجتماعية وقيمة عند الناس، وأيضا فالعمل من شأنه أن يحقق حاجات المجتمع من الضروريات التي لا تتحقق إلا من خلال عمل أبناء هذا المجتمع، «نحن مقتنعون اقتناعا كاملا بما نعمل وما أقدمنا عليه، فالعمل في مهنة الحلاقة عمل ممتع ويعيننا على قضاء مستلزماتنا الخاصة وسأقوم بعد انتهاء الموسم بالتوجه للمعهد من أجل التنسيق لفتح صالون حلاقة خاص بي». وأشار أحمد اللحياني إلى أن العمل شيق جدا «عزوف الشباب عن الحرف اليدوية له أسباب، منها قلة الوعي بأهمية الحرف اليدوية، وأنها بعد توفيق الله تعالى تدر الدخل الذي يكفل للشاب ولأسرته المعيشة الجيدة، لكن يقف أمامنا أيضا عائق اجتماعي يتمثل في أن كثيرا من المناطق تعتبر العمل اليدوي فيه امتهان ونقص للشاب». 75 % راغبون الباحث الاقتصادي ومسؤول ملتقى الكفاءات الوطنية على الشبكة العنكبوتية بسام فتيني له رؤيته في ذلك، «لا شك أن موسم الحج هو برهان واضح للعيان عن مدى قدرة الكوادر البشرية السعودية على صنع المستحيل، فمن يستطيع إدارة حشود تقارب ثلاثة ملايين نسمة في مدينة واحدة وأيام معدودات، يدرك تماما أن ما يقوم به العنصر البشري أقرب إلى الخيال، والأهم أن النسبة الكبرى هم من أبناء الوطن إذا ما استثنينا بعض المهن في المجال الطبي والسائقين مثلا». وأكد فتيني أن 75 % من الشباب يرغبون في امتهان مثل هذه المهن، ولكن يخافون نظرة المجتمع إليها، ورحم الله أجدادنا الذين كم كانوا أوفياء للأعمال والمهن اليدوية؛ فلم يشتكوا من الفقر رغم فقرهم، ولم يعرفوا البطالة لأنهم لم يجلبوها لأنفسهم؛ ولذلك على كل شاب مارس هذه المهنة في الحج أن يكمل ما بدأه، فهو من سيرسم طموح القادمين بعده .