هل يعبر قرار أمريكي يتعلق بالسياسة الخارجية دون أن يمر على أي من جماعات الضغط المعروفة ب«اللوبي»؟ ذلك مستحيل بالنظر إلى أن الفكرة الانتخابية منذ بدايات القرن الماضي تقوم بدور محوري لجماعات الضغط في ترشيح وفوز أي من الرئيس أو أعضاء الكونجرس، وبالتالي فالفائزون مدينون تلقائيا لجماعات المصالح التي أصبحت تتطفل في جميع القرارات بقوة نفوذها وحجم تأثيرها في صانعي القرار. في سبعينيات القرن العشرين، شرح مستشاران رئيسيان لجيرالد فورد وجيمي كارتر حقائق سياسية تتعلق بالانتخابات في مذكرات متشابهة بشكل ملحوظ، واستخدم المستشار الرئاسي لفورد روبرت جولدوين، استطلاعات الرأي العام لمزيد من الإرشاد فيما يتعلق بحملة عام 1976 الانتخابية، وتطرقت مذكراته إلى مسألة مجموع الأصوات بشكل مباشر، وفي سياق تطلعه بأمل إلى الانتخابات الرئاسية الوشيكة، كتب جولدوين: «من بين كل المجموعات العرقية في هذا البلد، يستفيد اليهود من المصلحة الفعلية في الانتخابات، ويقترعون بطريقة أكثر مواظبة من أي مجموعات أخرى من السكان، ويسهمون أيضا بقوة في الحملات، ويشاركون بفعالية في العمل على مستوى الولايات وعلى الصعيد الوطني ككل». الجماعة وأهدافها وجماعات المصالح هي نوع من الجماعات التي يلجأ إلى تكوينها أو الانضمام إليها بعض أفراد أو مجموعات من أفراد مجتمع ما بهدف التأثير في سياسته العامة بشأن موضوع أو قضية محددة، تمثل بالنسبة إلى هؤلاء الأفراد أو تلك الجماعات مصلحة جوهرية مشتركة تربط بينهم. لذلك، تعرف في الأدبيات السياسية بأنها «تنظيمات تستهدف التأثير في صانعي القرار»، وعرفها الرئيس الأمريكي الأسبق ترومان بأنها «جماعة تشترك في الاتجاه نحو مطالبة جماعات المجتمع الأخرى بمجموعة مطالب محددة، ويتم ذلك من خلال التأثير في مؤسسات الحكومة»، ورغم تعدد أنواعها، فإن الأهداف العامة التي تنشأ من أجلها جماعات المصالح عادة ما تندرج تحت أحد هدفين عامين، أولهما يختص بحفظ وحماية وتطوير وتعزيز مصالح الجماعة من خلال السعي نحو وضع اللوائح وصياغة القوانين والتشريعات المتعلقة بها، ووضعها موضع التطبيق الفعلي، وتحويل الحكومة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى شريك في تحمل مسؤولية ذلك. والهدف الثاني يتمثل في دعم وتعزيز التعديلات المطلوبة في السياسات العامة موضع اهتمام الجماعة، وإزالة ما يعترضها من عوائق. في كتاب «عام الإفلاس» الذي صدر عام 1989، كشف أن عضو الكونجرس يتقاضى ستة رواتب من جماعات الضغط إضافة للراتب الذي يتقاضاه من الحكومة الفيدرالية، وعندما تم إعادة هيكلة الكونجرس في بداية السبعينيات، وانتزعت من رؤساء اللجان صلاحياتها الكبيرة، لصالح الأعضاء، كان لا بد لجماعات الضغط أن تتكيف مع الحالة الجديدة لتبقي تأثيرها في صناعة القرار داخل الكونجرس، فاتجهت إلى رؤساء اللجان وأعضائها وأعضاء الكونجرس بشكل عام، من خلال الإغراءات وصرف الرواتب، والتهديد في أحيان بمعاندة العضو المقصود، وتتبنى الأعضاء الذين ينفذون توجهاتها، وتتحمل تكاليف حملات انتخابهم، والتي تصل في بعض الأحيان إلى عشرات الملايين من الدولارات. «إيباك» الأقوى ويعد «إيباك» من أبرز جماعات الضغط المعروفة في الولاياتالمتحدة والتي تلعب دورا مهما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ويتودد لها المرشحون كثيرا مثلما يفعل كذلك أعضاء مجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس، وهي لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية وتعتبر من أقوى جمعيات الضغط على أعضاء الكونجرس الأمريكي وهدفها تحقيق الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني، لا يقتصر أعضاؤها على اليهود بل يوجد فيها أعضاء ديمقراطيون وجمهوريون. وبالنسبة للشركات الصناعية الكبرى يعد الإنفاق على أنشطة اللوبي أمرا مربحا تحرص الشركات الأمريكية على القيام به، وقد أنفقت شركة لوكيد مارتين Lockheed Martin للصناعات العسكرية 89 مليون دولار أمريكي على أنشطة اللوبي خلال الأعوام من 1998 وحتى 2003م، حيث استأجرت جهود 699 خبيرا في مجال اللوبي من بينهم 268 موظفا سابقا بالكونجرس والمؤسسات الحكومية الفيدرالية وفي المقابل تمكنت الشركة من الحصول على عقود إنتاج معدات عسكرية بلغت قيمتها 94 مليار دولار خلال الفترة ذاتها.