كانت المجالس مدارس منها يؤخذ كل فعل حميد و «علم غانم»، كما كانوا يعشمون! تدرب فيها الصغار ورجحت فيها حكمة الكبار ومجالسنا هذه الأيام لم تعد تحمل كفاءة المدارس الأولى، فقد تهاوت كفاءة «المعلمين» وتعالت رداءة «الطلاب». واختلط الحابل بالنابل, وصارت بعض المجالس عيبا على من يرتادها المجلس تغير كثيرا، ويبدو أن موجة التغير قد طالته فحلقت «شواربه» وهلست «دقنه».. وصار بارد الملامح مشتت الأفكار, بات تائها بعد أن كان موجها. بات يستقبل ما هب ودب ويقبل أن يدار فيه ما هب ودب من «السوالف» التي يندى لها جبين جدرانه ومراكيه. لم يبق من المجلس إلا الديكور مع أن الديكور كان آخر سمات المجلس.. فقد المجلس وقارة وحشمته؛ لذا راج سوق جملة البجاحة القائلة: «ولا لهرجك ملطوم»، وأصبحت من ضمن الجمل التي تدور في المجلس وتقطع سالفة هذا وتبتر معلومة ذاك وإن لم يقلها لك أحد من البشر ربما يقفز عليك التليفزيون بسالفة تقطع سالفتك وبدون سابق إذن ولا موشح «ولا لهرجك ملطوم»؛ فتصمت رغما عنك.. والناس تلهو بسالفة التليفزيون وأنت تنتظر فرج التليفزيون لينزع «اللطمة» عن سالفتك وتفرّع بوجهها الملطوم أكثر من مرة وآخرها لطمة التليفزيون. ولأن الحديث عن التليفزيون فقد استطاع التليفزيون أن يمرمط كرامة الكثير من المجالس بعد أن أدخلها إلى أجواء «الرقص» والمجون عبر ما يطل من شاشته على عيون المتحلقين حوله.. ليقلب المجلس إلى «ملهى» تتمايل في الأجساد وتبرم فيه الخصور, وتسرق معه اهتمام الحضور الذين لو هب بهم صاحب السالفة لقالوا له: أخرص لا نلطم وجهك ليسكت ويجعل سالفته تذهب ملطومة بدلا من أن تلطم ويلطم صاحبها! وخوفا من «لطمة» خطافية قد تودي بكرامته!