جذبت تيارات التقنية غالبية الشباب، فمنهم من التهم منها السنام، ومنهم تباطأ ليسقط على وجهه متلطخا بثوب الجريمة، مستغلا الخبيث منها وتطويعها لخدمات مآربه. ولعل بعض الهاربين نحو النفق المظلم للتقنية، لم يعوا خطورتها، إلا بعدما ارتموا في أحضان الجريمة، وباتوا يسجلون جرائم من نوع خاص واستسلموا لتوجيه خاطئ للمعلوماتية التي أضحت في متناول الجميع وعلى الرغم من التشديد والمتابعة الأمنية على الجرائم الإلكترونية إلا أن الظاهرة تنامت في ظل دوافع نفسية ومصالح شخصية وسلوكيات سلبية ألقت بظلالها لتخرج لنا جيلا يضبط متورطا ويستجوب مدانا، فخرجت إلى السطح جرائم الابتزاز التي سجلت في العديد من مناطق المملكة، واعتمد منفذوها على تقنية الماسنجر والجوال والإنترنت والبلوتوث لتحقيق مآربهم وتنفيذ أهدافهم على حساب الآخرين. كما سجلت قضايا أخرى تمحورت حول استخدام ظاهرة الليزر لتضليل سائقي السيارات، ثم ارتقت إلى السماء بتوجيهها نحو الطائرات، وزحفها نحو الملاعب الخضراء بتعريضها ضد لاعبي كرة القدم. نقطة تحول توسعت الجرائم الإلكترونية على النطاق المحلي بشكل مضطرد بسبب الثورة المعلوماتية والتقنية الهائلة التي دخلت بشكل مكثف ووسط إقبال مختلط بتدافع غير مسبوق على تلك الخدمات في وقت أصبحت ضالة الكثير ممن يشغلون وقت فراغهم من خلال متابعة الجديد فيها وسبر أغوار ما تحتويه. ودعت غريزة حب الاستطلاع العديد من الشباب إلى التغلغل في أعماق تلك التقنية فتحولت بين عشية وضحاها إلى الاتجاه السلبي؛ ما وجه البوصلة نحو الجريمة وغير مفاهيم مستخدميها ليمارسوا نوعا من إحلال الإيذاء مكان النفع، كما حدث في جرائم الليزر واستغلالها لتحقيق مصالح مادية وشخصية كما حدث في جرائم الابتزاز. وحملت الجرائم الإلكترونية في طياتها العديد من العوامل المشتركة تركزت على عامل المصلحة والإيذاء والغرابة والاستطلاع المرهون بالجريمة والمغامرة الموجهة نحو الآخرين دون أدنى تفكير، بل بسذاجة بالغة دون أن يكون لمنفذيها أجندة خاصة، خصوصا وأنهم من فئة تمارس المهمة والدور وليس شرطا أن تنتظر النتيجة، فالمهم التنفيذ والمراهنة عليه أو تسجيله كأولوية من منطلق أفكار رجعية ومن هاجس خالف تعرف أو من أجل جلب الانتباه ولفت النظر من المحيط الذي يعيشون فيه. «شمس» تناولت القضية من كافة جوانبها وشتى أبعادها الدينية والنفسية والأمنية والاجتماعية والقضائية، وصولا لإجابات على عدة استفسارات، أبرزها لماذا ضربة الليزر في وجه المجتمع؟ وهل مرتكبو تلك الأفعال لا يعرفون مغبة أفعالهم، أم أن العقوبات الرادعة غابت فظهرت المخالفات؟ وإذا كان العقاب الرادع ظهر بوضوح وبلا جدال في جرائم إيذاء الطائرات في المجال الجوي، فما المانع أن يعاد على أرض الواقع في كل ما يرتبط بالجرائم الإلكترونية؟! الدعيع وأشعة الليزر لا ينسى عشاق المستديرة الحادثة الشهيرة التي خرج فيها مشجع عن العرف السائد، بالتشجيع دون التأثير في مجريات اللعب، فراح يعبث بالليزر في عيون الحارس الدولي السابق وكابتن نادي الهلال محمد الدعيع، أملا في غمضة جفن، لتحويل دفة الفوز باتجاه فريقه. ولأن التقنية كانت الآلة التي استخدمها هذا المشجع، فإنها عكست الاستخدام السيئ، لأبسط أنواع التقنية، فما بالنا بالأنواع الأخرى؟! ويصف الدعيع الأمر ل«شمس»، بأنه أحد إفرازات الاستخدام السيئ للتقنية «الجميع يعرف ضرر أشعة الليزر ويدرك سلبياتها، والمشجع الذي سلط الليزر يعتقد أن سلوكه سيؤثر على المباراة، أو النتيجة أو أنه سيحجب نظر اللاعب عن رؤية الكرة، ومن المؤكد أن هذه الاستخدامات لها ضرر على صحة الإنسان نفسه، ونحن كشعب مسلم نرفض الضرر للآخرين، حيث إن هذه سلوكيات مرفوضة لا يرضاها الدين، لما فيها من ضرر بالآخرين». ويرى أن «روح التنافس الرياضي تفرض نوعا من الإخوة بين المتنافسين، سواء فاز فريقي أو الفريق الآخر، ويجب ألا تستخدم مثل هذه السلوكيات سواء في الوسط الرياضي أو خارجه، أما المشجع فلا يمثل إلا نفسه، وبالطبع التصرف فردي، ومن الطبيعي أنه مرفوض حتى من مشجعي فريقه، وأعتقد أن الليزر الذي استخدم ضدي لم يؤثر علي، ولكنني بصراحة خشيت من الأضرار الصحية لاحقا، خاصة أنني تابعت في أحد الفضائيات استشاريا يتحدث عن ضررها وتأثيراتها على اللاعب حول إمكانية فقدان النظر خلال التعرض لها في فترة زمنية من 20 إلى 30 ثانية، ورغم أنني تعديت تلك المدة إلا أنني لم أشعر أية أعراض بحمد الله، ولم أراجع المستشفى». ونفى علمه بأنواع ليزر طرحت في الأسواق باسمه، معتبرا أنه رد فعل طبيعي من قبل الشركات التجارية لاستغلال الحادثة، لكنه استبعد حصوله أيضا على أفضل لاعب في موسم 2008 نتيجة تأثير أشعة الليزر «هذه من الخرافات التي لا يمكن أن أصدقها، ولو كانت الواقعة صحيحة لكان جمهوري وجمهور الزعيم أول من يسلط أشعة الليزر على الدعيع». لكن الدعيع جزم بأنه إذا ما تم القبض على المشجع المتهم بتسليط الليزر عليه فإنه سيبادر بكفالته للإفراج عنه «أعرف أنه يشعر بالخطأ الذي ارتكبه، وأنه نادم على فعلته باستخدام الليزر، لذا علينا التوعية بالاستخدام الأمثل للتقنية، وإبعاد الشباب عن السلبيات». ليزر المدرجات ولأن ليزر المدرجات كان مجرد سابقة، وليس حكرا على الدعيع، أو حراسة الهلال، امتد التأثير إلى مدرجات أخرى، حيث رصدت الجهات الأمنية العديد من حالات ملاحقة اللاعبين بأشعة الليزر، في مباريات هامة وتعرض لها لاعبون مثل حارس مرمى الاتحاد تيسير النتيف، وكثف أمن الملاعب من مراقبة ومتابعة الشباب الذين يحملون الليزر وملاحقتهم، بعد أن رصدت الكاميرات وجود العديد من الحالات داخل المشجعين استغلت الازدحام وضعف الرقابة، ما دفع مسؤولو الملاعب إلى إيجاد آلية أمنية لتفتيش الجماهير، وضبط مستخدمي الليزر التي أثبتت السجلات الأمنية أن معظمهم من المراهقين العابثين. الليزر والطائرات لكن الليزر الذي امتد للسماء، حيث الطائرات، شكل أيضا حوادث فردية خطيرة في تأثيرها، إذ ضبطت الجهات الأمنية العديد من المتورطين فيها، وإحالتهم لجهات الاختصاص. وبادرت هيئة الطيران المدني بالتحذير من التورط في هذا النوع من الجرائم، ووضعت خطة وتنسيق مع الجهات الأمنية بهذا الشأن لمنع تزايد الظاهرة، وسجلت السعودية قضايا توجيه ليزر لطائرات في كل من الأحساء ونجران والمدينة المنورة، بعد أن تم ضبط عدد من الشباب أثناء توجيههم لأشعة ليزر لطائرات قبل هبوطها في المطار وقد اتخذت حيال القضية الإجراءات اللازمة. لماذا الليزر؟ يرى استشاري الطب النفسي الدكتور محمد الحامد أن هناك ثلاثة محاور رئيسية لتربية المراهقين الذين ينزلقون في مثل هذه القضايا، وهي الأسرة والمدرسة والإعلام، مشيرا إلى أن المراهق بطبيعة الحال ميال للشغب وإثبات الذات، فيقوم بالدخول في سلوكيات توحي له برجولته، واستقلاله بذاته «والمشكلة أن لدينا سطحية في معالجة القضايا، فهناك نقص في كافة الجوانب الثلاثة التي يحتاج إليها المراهق في حياته، بعد أن يشعر بأنه مستقل بتغيره البيولوجي، ما ينعكس على سلوكياته، فالمراهق يسعى إلى إثبات ذاته، وعادة ما يرتمي في سلوكيات مشينة، فيميل للمشاكسة والتعدي على القوانين، وتبدأ الانعكاسات النفسية، وقد يتورط المراهق في جرائم كارثية، ومنها اللعب بالليزر الذي سجلت من خلاله قضايا على المراهقين، والكل يعلم أن أشعة الليزر واستخدامها من قبل المراهقين تؤدي إلى عمى مؤقت أو كلي لشبكة العين للشخص المعتدى عليه». وأشار إلى أن الأمر جد خطير «ويجب أن تتم مراقبة مكثفة لبيع الليزر وغيره من وسائل التقنية الخطرة الاستخدام، وألا تباع إلا للأمور الضرورية لأعضاء هيئة التدريس أو الأشخاص الذين يستخدمونها لأهداف علمية، فيجب حظر استيرادها وتداولها ومعاقبة مروجيها، لكن يقع على عاتق الأسرة المسؤولية الأولى فإذا رأى الأب أو الأم ابنه يستخدم الليزر، فعليه مصادرته وأن يخفيه عنه وتوعيته بخطورة ما يقدم عليه، وسبق أن عثرت على طفل يستخدم أشعة الليزر على شاطئ البحر، موجها إياه نحو عشرة أطفال آخرين مروا من جواره، فأبلغت والده بالأمر، لكنه لم يتجاوب معي، ما دفعني لاستدعاء الشرطة التي قامت بمصادرة القلم، وإبلاغ ولي أمره بخطورة السلوك». ودعا الحامد إلى توفير مواقع للشباب وللمراهقين يفرغون فيها شحناتهم وطاقاتهم بشكل إيجابي، بعيدا عن الإضرار بالآخرين، والدور يقع على رعاية الشباب في مثل ذلك، حتى تصبح مثل هذه العادات في طي النسيان، مثلما يحدث مع مكافحة قضايا ابتزاز الفتيات باستخدام التقنية، حيث يقع الدور الأول على الفتاة نفسها، التي يجب أن تحافظ بنفسها على نفسها، وعندها لن يجرؤ أحد على استغلالها أو تطويع التقنية لاستغلالها». ليزر دخيل واعتبر الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء وكلية الملك فهد الأمنية الدكتور محمد النجيمي أن جرائم التقنية كالليزر وكاميرات الجوالات دخيلة على المجتمع، ويجب أن تؤخذ كل حالة حسب مرتكبها «إذا كان مرتكب الجريمة من المراهقين، فإنه يتم استدعاء ولي أمره، وتتم مناصحته، لمنع تورطه فيها مرة أخرى، أما إذا كان من الشباب وما فوقها، فإنه يتم إنذاره أكثر من مرة، وإن كرر فعلته ونجم عنها ضرر بالآخرين، فإنه يطبق بحقه حد الحرابة، تطبيقا لما ورد في الحديث الشريف «لا ضرر ولا ضرار». وتطرق النجيمي إلى تفعيل الأنظمة الخاصة بموضوع استخدام التقنية في الابتزاز، تفعيلا تاما «في حين يجب على القضاة وهم ثقاة أن يشددوا العقوبات اللازمة، بشأن قضايا الابتزاز، على أن تكون رادعة بشكل يخفض هذا النوع من الجريمة، ويسهم في تلاشيه تماما، وقبل العقوبة يجب أن تكون هناك توعية سواء للشباب أو الفتيات الخاصة باستخدام هذه التقنية وسلبيات سوء استخدام هذه التقنية، فالتوعية مهمة جدا». وعد بروز بعض قضايا الابتزاز نتيجة جهل الفتيات باستخدام التقنية «لأنه من الواجب أن تتم التوعية بأخطار استخدام التقنية، وأن توعى الفتيات تقنيا وعلميا بالطريقة المثلى لاستخدام التقنية الإلكترونية، وهذه مسؤولية مشتركة بين الفتاة نفسها، التي يجب أن تعي جوانب الاستخدام الأمثل، وكذلك التعليم السليم لها إضافة إلى دور الأهل والأسرة». وقفة الحسبة ويعترف الكثيرون أن فروع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أسهمت في توفير قنوات رسمية لتلقي مشكلات الابتزاز الناجمة عن سوء استخدام التقنية، التي تتعرض لها الفتيات في مختلف مناطق المملكة، حيث سجلت العديد من القضايا في هذا الجانب، وأسهم ذلك في توجه العديد من الفتيات إلى الاتصال بالهيئة، أو مخاطبتها بطريقة أو بأخرى، ما أسفر عن ضبط عدد من الشباب المبتزين، واتخذت حيالهم الإجراءات اللازمة. وعقدت الهيئة عدة ورش واجتماعات حول قضايا الابتزاز التي استخدمت فيها التقنية، والتي انتشرت في المملكة، وكانت لأغراض مادية أو جنسية من قبل المبتزين مقابل صور أو مقاطع، وأسهم هذا التوجه في انخفاض تدريجي في الظاهرة، وأوقفت العديد من مسلسلات الابتزاز من جراء ذلك. متابعة ورقابة وتوعد الناطق الإعلامي بشرطة محافظة جدة العقيد مسفر الجعيد بضبط أي مخالفات بسوء استخدام التقنية «حتى الآن هناك حالات محدودة تم تسجيلها، وإذا ما تم ضبط حالة بعينها في كافة الاتجاهات، فإنه يتخذ حيالها الإجراء اللازم، حيث يتم توقيف الشخص المتورط وتحويله لهيئة التحقيق والادعاء العام، وبعدها يتم استكمال مجريات قضيته، من الجهات ذات العلاقة، وهذه الظاهرة توجد أحيانا في الملاعب وهناك إجراءات أمنية احترازية يتم اتخاذها لمنع وجودها، كما تم تسجيل قضايا لابتزاز الفتيات، لكن هناك انحسارا لها أخيرا نتيجة تعاون مكثف بين الهيئة والشرطة، والأعمال متواصلة لرصد أي قضية تتعلق بالقضايا أو الجريمة الإلكترونية» .