يوما بعد يوم يتقاطر آلاف الشبان في رحلات دولية، بعضها مجاور وبعضها من وراء البحار. ومع زيادة عدد الرحلات، تخرج إلى الملأ أنباء عن ارتباطات لا حصر لها مع فتيات في تلك البلدان، والنتيجة أبناء شرعيون بتوافر الأب والأم، وغير شرعيين للشكوك التي تدور حول عقود القران حيث يربط بعضهم بينها وبين زواج المتعة، في حين ما زال الجدل دائرا حول شرعية الزواج. لكن الخلل الأكبر يعود إلى النتيجة، حيث لا مجال للتنصل من المسؤولية، فالزوجات إما حوامل بأبناء السعوديين، وإما تحولن إلى أمهات، ليدور التساؤل المعتاد: أين السعوديون؟ تحذير ولكن بالأمس القريب تناولت وسائل الإعلام، ومن بينها «شمس» مخاطر الزواج من الأجنبيات، في رحلات الشتاء والصيف، وذلك من خلال التحذير والوعيد الذي أطلقه العديد من ذوي الشأن، سواء في السفارات السعودية في الخارج، أو من خلال المختصين. ومع ذلك ما زال نزيف الزواج يتواصل، من فئة ربما لم تكتو بعد بمخاطر الزيجات العشوائية، التي حتما لا تتضح إلا إذا أقبل الصيف التالي، أو بالأحرى بعدما يكتمل نمو الجنين في أحشاء الزوجة أو الأم. لكن الأغرب أنه رغم تلك التحذيرات، تخرج الأصوات لتحاول فرض إحصائيات لا صلة لها بالواقع، لتبرهن على أن الفتيات هن ضحايا الشباب السعودي الطائش الذي لا يميز بين الغث والسمين، وتتناسى أن أولياء أمور الفتيات أو السماسرة هم الذين يتلقفون الشباب ويحولون له الوهم لحقيقة نهايتها زيجة، يؤمنون بشرعيتها، ويروجون أنها لا تقرب من الحرام ولو بصفر %. إحصائية مزورة بالأمس القريب بادرت وسائل إعلام مصرية، تجمعت في مؤتمر حمل شعار «مناهضة الزواج السياحي» في الحوامدية بمصر، نظمه مركز عيون لدراسات التنمية وحقوق الإنسان والديموقراطية بالتعاون مع السفارة الأمريكية بالقاهرة، بادرت بزعم وجود إحصائية رسمية سعودية، مفادها أن «أكثر من 900 طفل من آباء سعوديين، موزعين بين المحافظات المصرية خلال العام الماضي». وبافتراض صدقية المعلومات فإن ما يقارب ألف زيجة تمت في سنة واحدة، ما ينذر بمزيد من المخاطر على مستقبل الشباب السعودي. وبالتحالف مع تلك الوقائع، بعيدا عن أرقامها، نجد أن أمل المختصين يتزايد يوما بعد يوم، وصولا إلى الرقم الصفري لتلك الزيجات العشوائية، فما معنى أن يرتفع العدد من بضع عشرات إلى المئات، ليقترب من حاجز الألف في سنة واحدة؟ أرقام مضللة لم يتردد عضو جمعية أواصر الدكتور علي الحناكي، في المبادرة بنفي العدد جملة وتفصيلا، لأن ما يروجونه من أرقام مغالطات في سبيل تضخيم الحدث بالأرقام، وإن كانت مغلوطة «صحيح أن الأرقام ربما تجد التعاطف من القائمين على الأمر، لكن ترويج المغالطات هو الآخر لا يعكس الدقة في النقل، خاصة إذا كان الأمر في حد ذاته فاجعة يجب التوقف عندها، بعيدا عن الإحصائيات غير الدقيقة». واعتبر الحناكي ما تناولته بعض الصحف المصرية من وجود أكثر من 900 طفل موزعين بين المحافظات المصرية خلال العام المنصرم، مجرد أرقام «اعتدنا سماع فرقعاتها بين فترة وأخرى، ونعلم عدم دقتها أو واقعيتها، خاصة أننا نعلم أن أواصر المعنية برعاية السعوديين في الخارج ترعى في مصر 71 أسرة فقط مسجلة بشكل رسمي في السفارة السعودية بالقاهرة، فمن أين جاء الرقم الضخم؟ ولماذا تسليط الضوء على السعوديين فقط، دون بقية الخليجيين؟». ويشير الحناكي إلى أن السفارة ترحب بكل متقدم تنطبق عليه الشروط التي عادة ما تكون يسيرة «والتواصل مع جمعية أواصر عبر القنوات معروف من الإيميل والفاكس والهاتف، وفي الوقت نفسه هناك سهولة الإجراءات النظامية التي تساعد الأسرة على سرعة التسجيل، كما هناك المعونة التي تصل لأسر السعوديين في الخارج، ما يجعل العديد من الأسر حريصة على التسجيل في السفارة، والتواصل مع أواصر، الأمر الذي يفند بمفرده الإحصائية المزعومة في ضوء عدم تسجيل مثل هذا العدد في السفارة أو أواصر». عدد الزائرين وبين أن هناك ما يقارب 40 ألف سعودي يزورون مصر سنويا، في ضوء أنها دولة شقيقة وتتمتع بسياحة جيدة، لكن ليست غالبية السياح السعوديين من راغبي الزواج، ومع ذلك نحاول قدر الإمكان التقليل من تلك الأرقام، في ضوء الإفرازات السلبية التي ينجم عنها الزواج غير المتكافئ من جانب، وغير المحدد المعالم من جانب آخر. رعاية السعوديين وشدد الحناكي على أن «سورية تتصدر الدول التي يرتفع فيها عدد الأسر السعودية التي ترعاها أواصر، ويصل عددهم إلى 273 أسرة، تليها البحرين 100 أسرة، ثم الكويت ومصر بواقع 71 أسرة في كل منهما، كما سجل العديد من الدول كالهند والفلبين وإندونيسيا عددا أقل، حيث سجلت الأخيرة عدد ست أسر فقط». ورفض الحناكي الربط بين عدد تلك الأسر والزواج العشوائي «إنما الأمر يخضع لعدة حالات من وفاة وطلاق وغيرها، وعدد الأسر ارتفع في شهر رمضان من 598 إلى 661 أسرة». زواج سياحي وكانت المنسق العام لمشروع الدعوة لمناهضة الاتجار بالفتيات عزة الجزار، وصفت في المؤتمر أن «الزواج السياحي في مصر أصبح أرخص من العلاقات غير الشرعية، وهذا سبب زيادة الزواج السياحي في مصر، وأصبح زواج الفتيات من الزوار العرب لا تتجاوز مدته أسبوعا واحدا، قبل ذلك كان شهرا، وأغلبية الفتيات لا تتجاوز أعمارهن 16 عاما، ويرجع سبب الإقبال على هذا الزواج إلى الفقر والبطالة وغيرها من الأسباب، مثل الهجرة، كل هذه العوامل تؤدي إلى الاتجار بالفتيات». وبينت أن الفتاة في الغالب «لا تعرف أنها ضحية وسلعة رخيصة، ويرجع ذلك إلى احتياج الأب إلى المال فيضطر إلى بيعها بمبلغ لا يتعدى أربعة آلاف جنيه، كما أن التفكك الأسري للفتاة يجعلها تريد التخلص من أسرتها فتضطر إلى الهروب بالزواج من شخص لا تعرفه ويكبر عنها 40 عاما». الاتجار في البشر واعتبر رئيس مجلس أمناء مؤسسة السلام والتنمية أيمن أبوعقيل أن مصر من أكثر الدول التي يتم فيها الاتجار في البشر على مستوى العالم «وما يسمى الزواج السياحي، أن يتزوج الزائر العربي الذي يأتي إلى مصر، من فتاة تصغره ب 35 عاما، ويقضي معها فترة زيارته لمصر، وأثبتت الإحصائيات أن الأكثر إقبالا على الزواج السياحي هم السعوديون في الفترة الماضية، أما الآن فالعراقيون أصبحوا الأكثر في الزواج من مصريات أثناء زيارتهم لمصر». وزعم أن «وزارة شؤون الأسرة السعودية «في إشارة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية» في إحصائية لها ذكرت أنه يوجد أكثر من 900 طفل من آباء سعوديين في مصر، وهذه مشكلة بالنسبة إليهم، لأنهم لهم الحق في كثير من الحقوق، ووضعت اليمن والمغرب وبعض دول أخرى قوانين للحد من هذه الظاهرة التي تفشت وأصبح لها رواج شديد، لكن الأزمة ليست أزمة قانون فقط بل أزمة تطبيق، أي بمعنى أن المادة الخامسة من قانون توثيق الزواج من الأجانب، تؤكد أنه لا يتم الزواج إذا كان فارق السن 25 عاما بين الزوج والزوجة، ولكن الآن ممكن يصل هذا الفارق إلى 35 و 40 عاما، ويوثق الزواج، إن تم توثيقه من الأساس». وأشار إلى ما اعتبره ثغرة في تطبيق القانون «ففي الفترة السابقة تم النظر في 173 حالة زواج سياحي، فارق السن بين الزوجين 35 عاما، حيث من حق وزير العدل أو من ينوب عنه النظر في مصير الزواج، والمادة الخامسة تمنع ذلك». ضعف التوعية وأوضح المدير التنفيذي لمؤسسة إعلامية الصحفي بجريدة الأهرام أيمن فاروق، أن المحامي الذي يكون نصيبه 10 % من الصفقة القذرة عند كتابة العقد وتزوير بطاقات وشهادات الميلاد حتى تصل البنت إلى السن القانونية، وهذا إهدار لكرامة الفتاة المصرية. وطالب القنصل السعودي لشؤون الرعايا بسفارة خادم الحرمين الشريفين بالقاهرة إبراهيم الحميد «بعدم الانسياق خلف ما ينشر أحيانا في صحف الإثارة في مصر التي تتعمد تضخيم مشكلات الأجانب، خاصة الخليجيين»، مشيرا إلى أهمية معالجة الأمور بالردود الموضوعية القائمة على المنطق وإبراز الحقائق. وحذر الحميد من مغبة الزواج بالخارج قبل الحصول على إذن من الجهات المختصة، مطالبا المواطنين بمراجعة السفارة ليتم إرشادهم بما ينبغي القيام به في مثل هذه الحالات. كما حذر مما يطلق عليه الزواج العرفي، موضحا أن هذا النوع من الزواج غير معترف به على الإطلاق .