عندما يبعثر الفقد المرأة المكلومة في وفاة شريك حياتها بعد أن تشاركت معه رزحا من الدهر جماليات الحياة وتذوقت أطايبها، وكانت لا تنظر للعالم إلا بمنظاره، ولا تعيش إلا بين أسواره، ولا ترى بذلك قوة ولا وجبروتا ولا سلطة! كما يحلو للبعض التسمية، بل ترى فيه أنسا وعزة وشرفا!. ثم يتقوض هذا البنيان بموت زوجها وأنيس وحشتها بعد أن كانت ترقبه في حياته، وها هي تندبه في مماته، والميزة التي تكمن في الرجل الشرقي أنه استطاع أن يكسب ود المرأة العربية والأجنبية على سواء، وأن يستدر دموعها. فالفرنسية سوزان زوجة الكاتب طه حسين رثته، عندما مات، بكتاب أسمته «معك»، قالت فيه: «ذراعي لن تمسك بذراعك أبدا، ويدي تبدو لي بلا فائدة بشكل محزن، فأغرق في اليأس!». والكتاب مترجم نشرته دار المعارف. وحذت حذوها شقيقتها البريطانية بولين نوليس، المتزوجة من شاب عراقي منعم السامرائي كما في كتابها «ما قلت وداعا أبدا»، عندما فقدت زوجها وابنها بالعراق، أثناء الحكم السابق، في ظروف مفزعة، دون أن يسمع أحد بمأساتها في العالم كله، إذ لم تستطع البوح وقتئذ بصوت علني خوفا ورعبا من أن يلحق الأذى بالبقية!. أما العربيات فقبل أن يسطرن مراثيهن مكتوبة، كانت الركبان تسير بها إلى أن قوض الله لهن من دونها وأهداها للتاريخ، فالرباب زوجة الحسين لما قتل بكربلاء وجدت عليه وجدا شديدا وبكت عليه سنة ثم أنشدت: «إلى الحول ثم اسم السلام عليكما / من يبك حولا كاملا فقد اعتذر». وآمنة بنت الشريد، زوجة عمرو بن الحمق الذي قتل وبعث برأسه إليها وكانت في السجن فألقي في حجرها، فوضعت كفها على جبينه ولثمت فمه وقالت: «غيبتموه عني طويلا / ثم أهديتموه إلي قتيلا». ولعلي لا أحيد عن الحق عندما أقول: إن هذا التقدير والتبجيل من المرأة لزوجها إنما ينبع من تربية ونشأة تساق إليها، بل يزداد إذا كان ينطلق من قاعدة شعرية، فعفاف أباظة رثت خمسين سنة من الزواج بكتاب عن زوجها ثروت أباظة، سمته «زوجي»، مستلهمة بعض لغته وشاعريته وهي تكتب عن الجزع لفقده بعد رحيله. وسطرت الشاعرة مهاة فرح الخوري فقدها للزوج في ديوانها «وكان مساء» الذي صدر عام 1965. وعندما يكون الرثاء من شاعرة متألقة كغادة السمان، فنحن على موعد مع حزن استثنائي سيدخلنا إلى عالم اللوعة النبيل الذي يقطر شفافية وعمقا كما في كتابها «القلب العاري.. عاشقا»، وهو رثاء لزوجها بشير الداعوق، تقول فيه: «هل قلت لك من قبل إنني سأظل أحبك، ريثما تطلق الحياة سراحي؟ حبك هو الموت بجرعات صغيرة من اليأس والأمل، والدفء لقلبي العاري المرتجف شوقا إلى الموت بك». فوزية منيع الخليوي