يعد المستشار السابق جيرهارد شرودر علامة فارقة في التاريخ السياسي الألماني المعاصر، فهو أول مستشار يتمتع بالحضور الإعلامي وبالشعبية الكبيرة رغم الانتكاسات التي كان يعانيها حزبه الديمقراطي الاشتراكي طوال فترة حكمه بين عامي 1998 و 2005. ولا تزال القصص والحكايات المثيرة حوله تثير مخيلة العاملين في حقول السياسة والصحافة الألمانية. وتروي أشهرها أن السياسي الشاب شرودر وقف أمام بوابة مبنى المستشارية الألمانية في العاصمة القديمة بون، ثم هز قضبانها بقوة صارخا «إنني أريد الدخول هنا». تميزت مسيرة شرودر السياسية بالصراعات الداخلية بين أجنحة وتيارات الحزب الاشتراكي الديمقراطي التي رافقت صعوده المتواصل في المعترك الألماني. وواجه عداء الكثيرين من أنصار اليسار الذين لا يتعاطون بشكل بناء مع تحديات الواقع السياسي وفقا لتحليله. كما أن تركيبة المجتمع الألماني التي تميل نسبيا إلى المحافظة تجعل من الصعب على الأحزاب التقدمية الفوز بأغلبية تؤهلها لقيادة البلاد، إلا في حالة وجود مرشح يتمتع بكاريزما خاصة مثل شرودر، وهو ما دفع رئيس الحزب السابق أوسكار لافونتين إلى إعطائه الأفضلية في منافسة المستشار الأسبق هيلموت كول. وبالإضافة إلى هذه الإرادة القوية، يتمتع شرودر بهالة إعلامية تمنحه قدرة فريدة من نوعها على التعاطي مع وسائل الإعلام التي تمثل السلطة الرابعة في منظومة الديمقراطية التمثيلية، وهو ما دفع الكثيرين إلى تسميته ب «مستشار الإعلام». وترعرع شرودر في أسرة فقيرة. ولكن النقص المادي لم يكن الهاجس الأكبر الذي أقلق مضجعه، بل غياب فرص التعليم في طفولته، الأمر الذي دفعه إلى بدء دراسة مهنية أهلته للعمل بائع تجزئة بين عامي 1959 و 1961. ثم التحق الشاب الطموح بمدرسة مسائية وحصل على الشهادة الإعدادية. ورغم مزاولته لمهنته، نجح شرودر في الحصول على شهادة المرحلة الثانوية ليبدأ دراسة الحقوق في جامعة جوتنجن عام 1966، وينهيها بنجاح عام 1971. وفيما بعد حصل شرودر على إجازة للعمل محاميا وتفرغ لذلك في هانوفر بين عامي 1978 و 1990، حسب الموقع الألماني دويتشه فيليه على شبكة الإنترنت. وفي انتخابات ألمانيا النيابية عام 1998، فاز حزبه بعد 16 عاما من حكم الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة كول، وأصبح شرودر مستشار ألمانيا الجديد. وأدى عدم تمكن الحزب من الحصول على أغلبية مطلقة في الانتخابات إلى دخوله في حكومة ائتلاف مع حزب الخضر، الذي بدوره وصل للمرة الأولى في تاريخه الحديث إلى سدة الحكم في ألمانيا. ومن المفارقات التي عجلت برحيل شرودر عن الحكم قبل أن تكتمل فترة ولايته الثانية أنه قرر في عام 2005، وبطريقة مفاجئة، تعجيل إجراء انتخابات نيابية قبل الموعد الرسمي بعام كامل. وعلل خطوته هذه بأنه يريد أن يتأكد من ثقة الشعب الألماني فيه وفي سياسته الإصلاحية، وإلا فإنه لا يستحق هذا المنصب. وحصل حزبه على المركز الثاني بنسبة 34.2 % بعد حزب الديمقراطيين المسيحيين المنافس بزعامة أنجيلا ميركل بنسبة 35.1 %، حيث جاءت النتيجة مفاجئة وعلى عكس التوقعات. وبعد مفاوضات شاقة، قرر الحزبان الدخول في حكومة ائتلاف من دون شرودر وتحت رئاسة ميركل التي أصبحت أول مستشارة لألمانيا في 22 نوفمبر 2005. وأعلن شرودر اعتزال الحياة السياسية وتفرغه للعمل من جديد محاميا وتحرير كتاب عن حياته .