ربما يكون الصراخ الاقتصادي في مجتمعنا هو الأقوى والأكثر تكرارا في حياتنا اليومية، فالسعودي المسكين «يشكي» ويشجب ويستنكر جميع المؤشرات الاقتصادية من زيادة السيولة وارتفاع سعر الفائدة والتضخم، وكأن أبو العريف يعرف ما هي وكيف تؤثر في حياتنا اليومية. نعم هناك تغيرات اقتصادية بين الصعود والهبوط في وطننا، ولكنها لا تترجم كتغيير في المنهاج المالي للصارخين أعلاه أو حتى في عاداتهم الشرائية. فكمالياتنا الغالية على قلوبنا وجيوبنا لا تزال تتصدر لوائح مستلزماتنا غير المنقطعة، ولا تزال أكوام الأكل الزائد ترمى في سلال المهملات، ومآدب «المفاطيح» تقام على شرف من يعد على أصابع اليد بشكل دوري في معظم المنازل، بينما مدن السياحة العالمية تقتات على فقرنا الذي ندعيه والأعراس تنافس الأوسكار في تكاليف صنع فقراتها. كما أننا ابتلينا بداء «الدين» في مجتمعنا، فرغباتنا تسوقنا سوقا إلى مذابح البنوك لتجز رؤوسنا على مقاصل القروض والبطاقات الائتمانية بغرض شراء ما لسنا أهلا له، وما يفوق طاقاتنا ومقدراتنا المالية حتى على المدى البعيد، بل إن البجاحة أخذت بعضنا خلف المدارس الخاصة، والمشكلة أنها لم تكن في الخطة بالأساس فتورط من لديه أكثر من طفلين في أقساط مدرسية قد تبني مجمع مدارس. حتى المثل القائل «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب» قد صرفنا «شيكه» منذ زمن وصرنا نعلم تمام العلم أنه ليس في الغيب إلا أقساط، ما لم يكن في الجيب أساسا. عاداتنا الاقتصادية العريقة توضح «دلعنا» الاجتماعي الذي لا يوزاي خطورة الموقف الحاصل وخبز عيشنا الذي ننوح عليه ليل نهار هو في الحقيقة كعك ملكة فرنسا «ماري أنطوانيت» الذي لا حاجة لنا به ويمكن لعقولنا أن تنساه بسهولة لولا سطوة أنفسنا «المترفة»، ولو اعادت كل عائلة هيكلة نظامها المالي «إن كان هناك نظام بالأساس» لوجدت مكانا شاسعا للإصلاح والتوفير، ولو كان لإرادة الفرد مكان لكان عقاب جشع التجار أسهل الأمور وأكثرها رعبا في عيون التجار، ولكننا نظل منقادين بخنوع إلى ترفنا المعتاد الذي نراه يحطم مستقبلنا أمامنا.