التدوين المتداول حاليا هو ترجمة لمصطلح Blog الذي ظهر بعد انتشار تعبير web log ومعناه التسجيل أو التواجد الافتراضي، أما ظهوره كمصطلح فقد كان نتيجة لمزحة أصبحت اليوم جدية تماما، حيث قام المدون «بيتر ميرهولز» بتحريك حرف ال «بي» قليلا لتصبح الجملة we blog أي «نحن ندون»، وهذا أول استخدام لمصطلح Blog بهذا المعنى الذي بدأ كدلالة على وجود افتراضي «كينونة افتراضية» ثم تطور كدلالة على التعبير والتوثيق والمشاركة افتراضيا أيضا. التدوين في أصله التاريخي يشبه فعل التوصيف والتوثيق الذي قام به أفراد في زمن ما ليحفظوا لنا اليوم الكثير، وهنا نلاحظ أن تطور عملية التدوين من قضية وجود إلى قضية تعبير ومشاركة، مسألة يشترك فيها الافتراض والواقع، إضافة إلى أنها نتيجة لتطور ثقافة فردانية واقعية تعنى بالفرد وفق التوازن ذاته الذي تعنى فيه بالجماعة. ما بين الأصل في فردانية التدوين وأهميته الاجتماعية، نتبين ضرورة الموازنة في تعاطيه بعيدا عن النظرة القاصرة له كفعل وعظي اجتماعي صرف، لأن هذه النظرة ما هي إلا استمرار لثقافة أبوية تحدد ما يمكن وما لا يمكن التفكير فيه على المستوى الفردي، سواء كان ذلك بعقل جمعي ضمني أو من قبل قيادي «كاريزمي»، وبالتالي ترتيب أولويات واهتمامات الأفراد بشكل يقتل الإبداع الفردي الجميل في تنوعه بل حتى في فوضاه الخلاقة. كثير من المدونين لدينا لا يدعمون الأنواع الأخرى ما لم تكن سياسية تعبوية «حشد الأتباع» أو تحمل على الأقل حسب تعبيرهم شيئا من الهم الجماعي، وهذه كبوة جواد تقع فيها الكثير من تجمعات المدونين تحت ضغط ما يعتبرونه أولويات ملحة نتفهمها تماما، ولكن هذا لا يبرر لها أيا كانت شعاراتها براقة ووعودها المستقبلية جميلة أن تحتقر أو تطغى على هموم فردية يومية قد تكون سطحية في ظاهرها لكنها لا تخلو من عمق في دلالتها وفي جدواها المجتمعية على المدى البعيد. حرية التعبير والتدوين تستلزم هذا التنوع كما تستلزم الرقابة الذاتية والشعور المتواصل بالمسؤولية، علما أن الممارسة الحرة للتعبير لن تأتي وحدها بالحرفية المطلوبة أو المسؤولية الإبداعية، خصوصا إذا ما استمر المنطق الأبوي السلطوي ذاته حتى في مجتمع التدوين الصغير، حيث إن هتافنا مع النهضة والتقدم أو ضد نظام قمعي قريب أو بعيد قد تكون الأولى به سلطة أفكار وعادات وتقاليد لا تبعد عنا كثيرا بل تسكننا ونسكنها، والتدوين فرصة لم تشهدها من قبل ثقافتنا الشفهية، لذلك فلتتسع الدائرة ولندون ذواتنا كما هي بكل بساطة وعفوية حتى نستطيع أن نراها كما لم نرها من قبل ومن هنا يبدأ التغيير. تركي التركي