واقع الصحة النفسية في المؤسسات العلاجية يكشف عن بعض أوجه القصور في التعاطي العلمي مع الحالات المرضية، خاصة في ظل حرص الأطباء على تسويق الأدوية على حساب صحة المرضى، وذلك ما يضعهم في دائرة المسؤولية الأخلاقية المباشرة عن نتائج إشرافهم العلاجي على أولئك المرضى. ومن خلال تجربة لمختص في تناول أدوية خاصة بالمرضى النفسيين اكتشف أنه يتجه إلى إدمانها دون إمكانية الشفاء، بحيث يصبح المرضى أكثر عرضة للبقاء في أحضان حالاتهم الصحية المنهارة، ليصبح أمر العلاج النفسي تسويقا لأدوية شركات تربح المليارات من وراء آلام ومتاعب هؤلاء المرضى. الأستاذ المساعد في الإرشاد النفسي بكلية القصيم الدكتور صالح الخلف يفتح النار على واقع العيادات النفسية في المملكة، واصفا ما يحدث في العيادات والمصحات النفسية بالكارثة الحقيقية التي تهدد حياة المرضى النفسيين، مؤكدا أن ما يمارس على المرضى مصيبة يجب التحذير منها «العديد من الأطباء لا يريدون المكوث مع المريض مدة أطول في جلسات المراجعة، حيث إن معظمهم يعدون الدقائق التي تساعدهم على زيادة رصيدهم ودخلهم اليومي، حتى ان العيادات النفسية أصبحت تدر مليارات أكثر من الأسهم، وهناك العديد من الأفراد خلطوا بين رجال الدين والأطباء، وهي بذلك أسهل طريق إلى الثراء السريع، فلماذا لا نغلب المصلحة العامة على الشخصية؟». ويضيف الخلف: «جربت على نفسي العلاجات النفسية التي تعطى إلى المرضى النفسيين، وكنت أحاول أن أشعر الشعور نفسه الذي يشعر به المريض النفسي، وعندما تناولت العلاج قبل النوم دخلت في نوم عميق جدا، وبعد أن استيقظت شعرت بألم شديد في جسمي وكأن عشرة أشخاص أوسعوني ضربا، وتكسر جسمي، فقمت مما أنا فيه وبكيت على حال المرضى مع الأطباء، وجربت المحاولة في اليوم الثاني الذي كان أقل تأثيرا ثم الثالث والرابع، ولم أعد أشعر بشيء من الألم نهائيا، ولم يعد الدواء يعطي الفعالية إلا بزيادة الجرعة، والكارثة هي أن الدواء يعمل على إغلاق نافذة الأحلام بشكل نهائي، وهي التي جعلها الله متنفسا للإنسان في نومه، ويساعد المريض على النوم العميق فقط». ويستطرد توضيح تجربته الشخصية مع دواء وداء الطب النفسي «المصيبة الأكبر هي عندما يقرر المريض ترك العلاج بعد مدة من الزمن حيث تبدأ أسوأ الكوابيس المزعجة، وتنقلب حياته رأسا على عقب». علاج عشرة أعوام ويؤكد الخلف أن «بعض الأدوية تدفع المريض إلى الانتحار، وهي لا تزال موجودة في السوق إلى الآن»، ويضيف « من خلال تجربة مع أحد الأطباء وجدته يأكل العلاج أمام المريض حتى يقنعه بأن العلاج غير ضار وأن أحد زملائه الأطباء أسر له بأنه يود أن يرمي هذه الأدوية غير النافعة في «برج الحمام»، ولذلك فالأطباء أكبر مسوقين لشركات الأدوية العالمية، حيث إن من المستحيل ترك العلاج خاصة النفسي بعد الإدمان عليه أيا كان إلا بشق الأنفس، فقد حضر إلى العيادة مريض نفسي صرف له أشهر المعالجين النفسيين علاجا واستمر على استخدامه لمدة عشرة أعوام ويريد تركه، فقلت له: في الأسبوع المقبل سنبدأ في التقليل من العلاج وتفاجأت أنه بعد ساعة اتصل علي المريض مؤكدا أنه بدأ يشعر بأعراض المرض، وبمجرد التفكير في ترك العلاج ظهرت عليه علامات المرض النفسي، فما بالك بالترك الكلي، كيف سيكون حال المريض؟!»، مشددا على أن الدواء يصل إلى مرحلة في الدم لا يمكن تركه، بل يطلب المزيد منه، والعديد منهم يشعرون بالاعتماد النفسي على استخدام العلاج، والتهديد إذا أراد تركه، وهذا ما يساعد الشركات على كسب عملاء دائمين»، خاصة إذا ماعرفنا أن هناك نحو مليون مريض نفسيا يحتاج أحدهم إلى ادوية بقيمة 130 ريالا شهريا أي بواقع 130 مليون ريال وهو ما يوازي مدخولا يقدر بمليار و560 ريال سنويا. وحدة علاجية متخصصة ويتابع الخلف « لا يريد الطبيب أن يعرف أو يتعرف على تاريخ المريض الصحي من بيانات ومعطيات ثقافية قادت إلى المرض؛ حتى يزيل الضلالات، إنما يريد أن يصل إلى تصنيف المريض بأي مرض نفسي حتى يصرف له العلاج فقط، مع لافتة تؤكد لهذا المريض مرضه ثم يحضر آخر وهكذا». ويستغرب عدم وجود نظام يحكم عملية صرف الأدوية التي تصرف بكميات هائلة وبمبالغ طائلة! ومطالبا من وزارة الصحة بسرعة التدخل في واقع العيادات النفسية وضرورة إنشاء وحدة يشرف عليها متخصصون في متابعة ملفات المرضى بشكل دوري، ومعرفة أسباب صرف العلاج، وطريقة الخطة الصحية في علاج المريض، «شركات الأدوية لا تهتم بواقع المرضى المحزن، والأطباء للأسف يسوقون لها بشكل «قبيح» حتى ان بعض الأطباء يصل إلى مرحلة الغرور بأن كل ما يقوله وحي منزل». فيروسات ثقافية ويؤكد أنه مع صرف الأدوية في الحالات الطارئة جدا كالذي يريد أن ينتحر وغيره وليس بشكل فوضوي واعتماد الطبيب في علاجه على صرف الأدوية فقط، وقد أثبتت التقارير أن المكوث مع المريض والدردشة معه أفضل من العقاقير، حيث من المعروف أن الاضطرابات النفسية فيروسات ثقافية وليست مرضا عضويا حتى يحرص الطبيب على صرف العلاج. ويشدد الخلف على أن «المصحات النفسية عبارة عن معتقل بحجم كبير للمرضى، وتتعامل مع المرضى كأنهم أشجار نمو فقط في الأكل والشرب، وحتى نوعية الأكل التي تعطى لهم تزيد من حالتهم النفسية التي تعد أسوأ من السوء»، مؤكدا أن المريض النفسي من الممكن علاجه منذ دخوله إلى المصحة والنظر في إعادة تأهيله التربوي والنفسي والاجتماعي» دفاع عن الشركات والأطباء ويؤكد الاستشاري النفسي الدكتور فهد المنصور أن هناك عشوائية في استخدام أدوية الاكتئاب النفسي، مشيرا إلى أن أغلب المتعاطين يتناولون العلاج، ليس بوصفة طبية، إنما بتناقل الأخبار من المجالس والمنتديات «بعض الصيدلانيين يعملون بحساب النسبة لدى شركات الأدوية، خاصة النفسية ذات السعر المرتفع، ويأتي المريض باحثا عن علاج ويصرفه له الصيدلاني غير المختص أو المخول، ويبدأ تسويق العلاج الفلاني ثم يأخذ نسبة من قيمته التي لا تقل عن 10 %». ويشير المنصور إلى وجود عشوائية في الصيدليات بصرف الأدوية التي تسبب أمراضا وأعراضا جانبية لدى الكثيرين، بعكس المعمول به في الدول الأوروبية بمنع الصيدلاني من صرف أي علاج مهما كان السبب «هناك من يخل بالمواثيق العالمية من الأطباء النفسانيين في صرف الأدوية، ولو نظرنا من الناحية المادية، فليس من صالح الطبيب أن يصرف علاجا مباشرا للمريض، حيث إن المريض لن يعود مرة أخرى». ويضيف «المريض يتسبب بالاستمرارية في تناول علاج المرض النفسي، حيث إن الطبيب يصرف له العلاج ويسجل له موعدا آخر ولا يأتي المريض مرة أخرى، ويظن أن تناوله للعلاج هو سبب شفائه»، ونفى أن يكون الأطباء مسوقين لشركات «هناك بعض المشاهدات التي من قبل الشركات في إرسال الهدايا في المؤتمرات الطبية أو الزيارة إلى العيادة وإقناع الطبيب أن العلاج الجديد يتميز بالعديد من الإيجابيات، وغالبا ما نقابلهم بالشدة». ويؤكد المنصور أن بعض العلاجات النفسية عندما يحاول المريض تركها تأتيه الأعراض الانسحابية المتمثلة في زيادة القلق والتضجر والاكتئاب، خاصة ممن يتناولون العلاجات الرخيصة، ومن الصعب أن يتركوها بشكل مفاجئ إلا بزيارة طبيب مختص موثوق بعلمه «95 % من الأدوية لا تسبب إدمانا، و 5 % فقط تسببه، وهي التي تسمى بالأدوية المقيدة» .