أتمنى ألا تكون حركتنا الثقافية مجرد ظاهرة سيصيبها الزوال بعد أن تسأم منها أمزجة العرب. وأنا في هذا لا ألقي العتب أو اللوم على جهة معينة، فالثقافة إنما تنهض ببنية تحتية جيدة، وإن كان الأمر عندنا يتأثر بالبنية التحتية والفوقية معا. تعبر المجلات والصحف أحيانا عن مظلومية المثقف العربي بينما يعبر بعضها الآخر عن مظلومية المتلقي العربي، ولا نعرف بالضبط أين هو وجه المصداقية، وأعتقد أن هذا الاختلاف الوارد في النظرة ناتج من تباين التعريف الأساسي للثقافة حتى إنها تشتتت ليصبح لدى كل إنسان نظرته التعريفية عن الثقافة، فالثقافة ربما تكون هي الأدب المحض، مثلما الحال لدى البعض ممن يتقنون بعض القوافي، وربما تكون هي الفن، وربما الموسيقى والأغاني، وربما تمتد إلى الرقص وأنواعه واختلاق أنواع غير معهودة من الرقص مثلما الحال لدى بعض شبابنا. وربما تكون هي التقليعات الجديدة في الحديث واللبس والأكل والشرب. إذن لكل شخص أو فئة فهمه الخاص للثقافة، وأنا هنا لا أنكر الحركات الثقافية الجيدة ولا أنفي وجودها، ولكن لا تكاد تخرج عن الورق. نحن نحتاج إلى حركة نهضوية ثقافية تدخلنا في إطار الحداثة الفكرية، ونحتاج إلى تجديد وإلى حركة وعي عام، كما نحتاج إلى إعادة تأهيل للعلم والمعرفة والمناهج المطروحة للدراسة، نحتاج أيضا إلى تنمية عقلية تمكن شعوبنا من الركض خلال مراحل التطور البشري، نحتاج كذلك إلى رعاية اجتماعية في شتى النواحي. فمن شأن الثقافة أن تصقل المجتمع ليستطيع أن يعيش في هذه العصرنة الطاغية، ومن شأنها أيضا أن تصنع عالما متوازنا من دمج الدين مع العلم ودمج التراث مع الحداثة. لاحظت في الآونة الأخيرة ازدياد عدد الكتب التي تصدرها دور النشر العربية، ولعل الكثير منها مترجم عن الثقافات الأخرى ولكن خوفي من أن يكون لي كتاب ينتهي في النهاية إلى أوراق للفّ الفلافل، أو مسح طاولات المطاعم.