لا تزال سوق البدو بمحافظة جدة التي بلغ عمرها 140 عاما، تستقبل زوارها الباحثين عن القهوة العربية والهيل والزعفران والزنجبيل، وغيرها من البضائع، محاولة البقاء صامدة أمام المنافسة الشرسة من المجمعات التجارية الضخمة والحديثة. وتعد سوق البدو من أهم أسواق جدة التاريخية، وكانت في الأساس مخصصة لبيع مستلزمات سكان البادية، مستغلة وجودها بالقرب من بوابة باب مكة التي كانت تستقبل قوافل المزارعين والإنتاج الزراعي من الحبوب والتمور وغيرها وحتى صهاريج المياه كانت تأتي منها وإليها عن طريق بوابتها. طابع البداوة وتتميز السوق على الرغم من تنظيمها البدائي عن بقية الأسواق الشعبية ببضاعتها التي تحمل طابع البداوة، مع بعض التغيرات التي طرأت عليها، حيث خضعت السوق طبقا لخطط الهيئة العامة للسياحة والآثار لبرنامج إعادة إحيائها ببعض ملامحها التاريخية القديمة، ومن بينها إعادة بيع الثياب البدوية النسائية عن طريق مشاغل نسائية محلية، وتشجيع من بقي من أصحاب محال تلميع الذهب والفضة على الاستمرار في السوق، خاصة أن هناك إقبالا من السياح على شراء التحف الفضية القديمة الخاصة بأعراس بعض مناطق المملكة وقراها. وكانت السوق تستقبل قديما الزوار والمتسوقين الذين يأتون من الضواحي والصحارى القريبة، وكانت معظم دكاكينها في الماضي تبيع البن والهيل والعطارة والتمور والحبوب، كالقمح والشعير والذرة وبعض أنواع الأقمشة التي كان يستعملها أبناء البادية آنذاك وتبدلت اليوم الصورة كثيرا وأصبحت معظم المحال لبعض الأقمشة والعبايات وما في حكمها وبعض الأقمشة الرجالية والعمائم الرجالية. مناقيل النقود والعمل في السوق قديما كان يبدأ بعد صلاة الفجر وإلى قبل صلاة المغرب، وكانت عملية البيع والشراء تتم بالريال الفضة والجنيه الذهب، حيث توضع ريالات الفضة وجنيهات الذهب في ما يشبه الصناديق وتسمى ب «المناقيل» وكان بعض التجار يحمل تلك المناقيل إلى بيته، وكانت ثقيلة حتى أنهم وجدوا في بعض بيوت جدة القديمة بعض تلك المناقيل مدفونة في الأرض. وكانت دكاكين السوق في السابق أقل عددا مما هي عليه الآن، ومبنية من الحجر وأقل ارتفاعا، وكان يحتل جانبا من دكاكينها محال النحاسين الذين كانوا يصنعون الأواني النحاسية ودلال القهوة والقدور، كما يجلبونها ويطلونها، وفي جانب آخر من السوق يوجد عدد من دكاكين الفضة التي يعمل الصاغة فيها الخواتم والقلائد الفضية التي كانت تقبل عليها النساء آنذاك. ولم يتبق من تجار السوق إلا عدد قليل، وهم بعض أبناء التجار القدامى الذين حافظوا على دكاكين آبائهم وأجدادهم، حيث أصبح معظم العاملين من العمالة الآسيوية، وأصبحت بيوت الأسر القديمة في حي المظلوم إما مخازن للبضائع أو سكنا لهذه العمالة، كما أن الكثير من دكاكين سوق البدو لم تعد باقية فيها من صور الماضي إلا بقايا ملامح .