عالم الغرائب والعجائب يجعلك في حالة اندهاش دائمة، وتزداد معي هذه الحالة خصوصا أثناء متابعة التلفاز. من المعروف بين المشاهدين أن بعض القنوات تتلذذ بتعذيب مشاهديها بطول فترة الدعايات أثناء المسلسل الواحد، وهذه الدعايات تبدو لي أكثر تشويقا من المسلسل ذاته، مثل تلك الدعايات التي تبين لك أن الكون مثلا لن يسير بشكل طبيعي إلا بجبنة كذا، أو أنه بإمكانك أن تطير بعد أن تشرب مشروب كذا، أو أن الزوج لن يرضى عن زوجته حتى ترشيه بجبنة كذا المعلبة، أو أن الفتاة لن تنجح علاقتها العاطفية بشاب إلا بعد أن تعرض عليه ابتسامة الرضا عقب استعمال معجون كرست، فضلا عن دعايات الشامبو السحرية التي تجعل الشعر قويا لدرجة أنه يمكنه سحب سيارة. وبعد كل هذا، لم أتمكن من التوصل إلى سبب يُشبع تساؤلاتي العقلية حول تقديم الدعايات بهذه الطريقة التي تتجاهل تماما خواص المنتج الفعلية إلى محاولة عرضه بطريقة غير مطروقة من قبل, هل هي للتسلية المحضة أم الترغيب في شراء المنتج؟ وإذا وضعنا عقل المشاهد في عين الاعتبار فهل نأخذ مسألة الترغيب هذه بطريقة جادة؟! والأهم هل التسويق لهذا المنتج بهذه النوعية من الدعايات أعطى ثماره؟! بشكل أهم، هل خدمت هذه الدعايات المستهلك بالشكل المطلوب؟! علما بأن الإعلان لابد أن يلعب دورا في شرح تفاصيل المنتج بكل مصداقية, بيان فوائده وأضراره, سلبياته وإيجابياته, والأهم هو إقناع المستهلك بالمنتج بشكل دقيق ومدروس ومحاولة تجنب المآخذ. أما ما نشاهده من إعلانات فهي تكاد تكون موجهة فقط لإمتاع المتلقي بالفكرة الغريبة التي تم عرض المنتج بها, ولكنها تفتقر لأهم العناصر التي يجب أن تتوفر في الإعلانات, وهي المصداقية في عرض المنتج. ويبدو أن المستهلك كذلك اعتاد على عدم المصداقية وصار الأمر تكيفا مع النتائج المبهرة من استخدام المنتج.