يواصل الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، هذه الأيام، كتابة الجزء الثاني من مذكراته بعنوان: «كل خطوة يجب أن تكون هدفا».. وذلك بعد أن نشر الجزء الأول منها مطلع نوفمبر الماضي، وتناول فيه تفاصيل كثيرة عن سيرة حياته منذ ولادته عام 1932 حتى انتخابه رئيسا للجمهورية عام 1995، أي حتى وصول الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي إلى المنصب. والمذكرات هي الكتاب الثالث لشيراك، بعد «فرنسا جديدة» و «فرنسا من أجل الجميع»، وحققت أرقاما قياسية في مبيعاتها، ما يدل على أن شيراك لا يزال ضمن أكثر الشخصيات المحبوبة من الشعب الفرنسي. وتضم المذكرات 24 فصلا في 512 صفحة. تعد المذكرات إعادة كتابة للتاريخ، وكشفا عن بعض أسراره الدفينة، ووثيقة موجهة نحو المستقبل. ولهذا الأدب في فرنسا تاريخ عريق، منذ صدور «مذكرات من تحت القبر» لشاتوبريان، التي شرع في كتابتها عام 1809 واختتمها عام 1841. وفي الماضي القريب، كانت هناك مذكرات ديجول، وجورج بومبيدو، وديستان. كما كتب فرانسوا ميتران، والسرطان يتآكله من الداخل «مذكرات موقوفة». وتعد مذكرات شيراك شهادة رائعة على تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة، من أحد أهم رجالاتها. هذا الرجل الذي كان يتسم دائما بالسرية التي تكتنف حياته الخاصة. وها هو يتحدث عن مشاعره في ما يخص مأساة حياته، وهي ابنته الراحلة لورانس التي كانت تعاني فقدان الشهية، إضافة إلى حديثه عن زوجته برناديت وابنته الثانية. وكان شيراك يرفض فكرة كتابة مذكراته بحجة أنه لا جدوى من الغوص مجددا في الماضي لإنتاج وثائق لن يقرأها أحد. وبإلحاح من ابنته كلود وبعض المقربين، قبِل أخيرا الفكرة والتزم العمل المنتظم إلى جانب المؤرخ جان باري لتدوين مذكراته. وتخوف مراقبون من أن تأتي هذه المذكرات بلا كثافة على مستوى التحليل لحقبة من التاريخ الفرنسي الحديث، وأن يلجأ شيراك إلى استخدام لغة دبلوماسية محايدة لا تضيف شيئا إلى ما هو معروف ومتداول. ولكن المذكرات تضمنت سلسلة من المفاجآت كشفت النقاب عن رغبة شيراك في تصفية حسابات مؤجلة بينه وبين أعداء حقيقيين أو أصدقاء مزيفين. واسترجع شيراك ذكريات علاقاته مع شخصيات دولية، وأفصح عن أحداث تتعلق بالسياسة الخارجية، ومنها الكثير مما يهم العالم العربي الذي بدأت علاقته به في الجزائر عندما كانت تحتلها فرنسا، حيث كان عليه أن يقضي فيها الخدمة العسكرية ضابطا شابا عام 1956، وبقي فيها ما يزيد عن عام. وفي بداياته السياسية يعترف شيراك بفضل الرئيس الفرنسي السابق الراحل جورج بومبيدو عليه، واصفا إياه بالأب الروحي «كان رجلا ذا ثقافة استثنائية.. وكان في نظري يرمز إلى فرنسا تماما مثل الجنرال ديجول. وأرى أن نظرتيهما إلى فرنسا لم تكونا متعارضتين.. بل إن نظرة بومبيدو كانت أكثر حسما وأكثر قربا، وهي في آن واحد متجذرة في التقاليد ومنفتحة على الحداثة بكل أشكالها». وفي الكتاب فقرات مشوقة عن قدرة الرئيس شيراك على الانفتاح على الآخرين. فهو لا يخفي مثلا عشقه لليابان، إلى حد أن الكثيرين يتحدثون عن ابن له هناك، وعن حساب مصرفي وأموال في بنوك طوكيو. كثيرة هي المواضيع التي لم يتطرق اليها الرئيس السابق، أو اكتفى بالمرور عليها سريعا. ربما سيجيب عنها الجزء الثاني من المذكرات الذي هو بصدد كتابته.