أتذكر جيدا جدا، كيف كان ماجد الشبل يقف مثل الهدهد على منبره في برنامجه الرمضاني «حروف». وكان اسمه هكذا «حروف» فقط، ولم يكن ثمة أي ألوف، ولا ملايين، لكنني لا أنسى- وغيري كثير- ماذا كان يعني لي هذا البرنامج الرمضاني الثقافي بمعنى الكلمة. كان ماجد الشبل يقرأ على الفريقين المتسابقين أسئلته، كما لو أنه شاعر يلقي قصيدته على جمع من المتذوقين، كان مهتما بالتفاصيل التي لم نكن ندركها ونحن صغار في ذلك الحين، لكننا كبرنا وعرفنا، وامتلأنا بالحنين إلى تلك التفاصيل التي لم نكن ندركها. كان الشغف ينقطع بشكل يزعجني عن نفسي، حين تنتهي الحلقة قبل فوز أحد الفريقين لتمتد الحلقة إلى اليوم التالي. وأعتقد أن الحلقات كانت مسجلة، لكن ذلك لم يفقدها المتعة كما افتقدتها مسابقات اليوم، رغم أنها تبث على الهواء مباشرة وتعد المشاهدين بألوف بل ملايين الريالات والهدايا والسيارات والجوائز التي لا تصل إلا «بعد ما تطلع روحك». ولعله جدير بالذكر في هذا السياق، ما دمنا ذهبنا في السنين الخوالي قليلا، أن تسترجع برنامج المسابقات الشهير «بنك المعلومات» للدكتور عمر الخطيب، يرحمه الله. هذا الرجل كان يسأل متسابقيه بجدية تفزعني أحيانا، كان مقدما تلفزيونيا محترما بحق، كان يخرج على الشاشات ليمنح الناس الإثارة وحب المعرفة. عمر الخطيب، الذي أتذكر ملامحه الجادة، وأسلوبه الملتزم في طرح الأسئلة، وصرامته التي كانت كثيرا ما تربك المشاركين في مسابقته وخصوصا المشاركات! ولذلك لم يكن لدى عمر الخطيب أو ماجد الشبل خيارات مثل: «خير الأمور الوسط»، «ساعدني الله يعافيك»، «ما لي غنى عنك»، «الله يرحم والديك». كما يحدث كثيرا في مسابقات اليوم؟ وهي الدراهم، هي المشكلة بالفعل، هي مصيبتنا التلفزيونية؛ لأن الدراهم وحدها هي التي قتلت خاصية المعرفة والثقافة في كل المسابقات اليوم، كأننا لا نعرف أن «الدراهم» ستذهب سدى، بينما العلم يبقى للأبد. فلماذا إذن، لا نشعر بالحزن والحنين معا، حين نشاهد الناس وقد شغلتهم مسلسلات حليمة بولند، وملأت دنياهم وعيونهم، أو حين ننتظر محمد الشهري بفارغ الصبر متى ينتهي من توزيع «شرهاته» أو ألوفه؟ الحزن والحنين معا!