من أهم الأمور التي كنا نفاخر بها أن الطبقة المتوسطة لدينا هي الشريحة الأكبر، ما يعني أن مجمل الأمور تسير بشكل جيد، وأن البرامج الحكومية خاصة الاجتماعية تحقق أهدافها، لكن في السنوات الماضية أصبح مصطلح الطبقة المتوسطة الذي كان يطلق على كثير من الناس الذين نعرفهم، يحتاج إلى إعادة نظر. فالتضخم أثر بدوره على مفهوم الطبقة المتوسطة، فكثير ممن نعرفهم ونصنفهم أنهم ضمن الطبقة المتوسطة، لم يعودوا كذلك، فالزيادات التي تدخل على المرتبات لم تعد توازي التضخم، فأسعار الإيجارات باتت تقتطع في أحسن الأحوال نحو 30 % من دخل الأسرة، والسبب أن غالبية الأسر في البلاد لا تمتلك مساكن، فيما بدائل الإسكان التي تطرحها جهات التمويل خاصة البنوك غير مناسبة، فهي قروض بدفعات شهرية عالية قد تصل إلى نحو 60 % من راتب المقترض. وللتغلب على هذه المعضلة التمويلية لجأت البنوك إلى تضامن المشترين، الأمر الذي لا يعد حلا، فالأسرة الواحدة لم تمتلك منزلا، بل دخلت في شراكة مع أسرة أخرى، وهذا ترحيل للمشكلة إلى وقت لاحق وليس ببعيد، فالمشكلة الجديدة ستتفجر بين الأسرتين حول المسكن المشترك، والمستفيد من هذا الترحيل البنك الذي روج سلعته، وتحصل على زبائن لمدى زمني طويل يجني منهم عوائد عالية، فيما المفترض أن تحيد الجهات الرسمية قطاع الإسكان الشخصي عن المضاربات العقارية، لأن الإسكان الشخصي يدخل ضمن مفهوم الأمن الاجتماعي، وعليه فإن برنامج صندوق التنمية العقاري يفي بهذا، ولكن هناك حاجة إلى تعديلات تضمن تحقيقه للأهداف مثل ربط القروض العقارية بالمنح السكنية. التعديلات التي نرجو من الدولة إدخالها لحماية قطاع الإسكان الشخصي، من شأنها أن تساهم في إعادة شريحة كبيرة من أبناء الطبقة المتوسطة إلى هذه الطبقة، فتوفير المساكن بأقساط ميسرة سيسهم في توفير نفقات في ميزانيات الأسر، وسيخفض من التضخم في أسعار الإيجارات، هذه الخطوة تحتاج إلى مساع أخرى لضبط كثير من وجوه التضخم الأخرى، حتى تكون الفائدة تصب في صالح فئات كثيرة من المجتمع.