لا شك أن لغة الأرقام هي اللغة الأكثر دقة ومصداقية، لا تستطيع أي جهة سواء كانت حكومية أو خاصة أن تطور من نفسها أو تحل مشكلة قائمة دون أرقام، لأنها سنام الأبحاث والدراسات، فالمجتمع الذي يملك أرقاما لكل شيء يستطيع اختصار الوقت في حل مشكلاته، وعندما تضيع الأرقام أو تصبح ضبابية يصبح من الصعب إيجاد حل جذري وناجح. وزارة التجارة تقوم بأول عمل يكاد يكون الأهم في تاريخها من وجهة نظري، فبالأمس كشفت أنها قبضت على أكثر من مليون وثلاثمئة ألف حالة غش في مدينة الرياض «وليس منطقة الرياض» خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ومن ضمن الأرقام التي نشرتها أنها قبضت على عشرة ملايين عبوة زيت كانت في طريقها إلى تدمير صحة مجتمعنا. اللافت للنظر أن هذه الأرقام المخيفة من المواد المغشوشة أغلبها إن لم يكن جميعها له علاقة مباشرة بصحة المواطن، فحالات الغش التي تجاوزت المليون حالة في غضون أشهر قليلة كم يقف خلفها من مجرم؟ وكم من مليون حالة غش لم يتم الكشف عنها؟ والأهم من ذلك كله كيف تستطيع الجهات المعنية بمحاصرة هؤلاء المجرمين الحد من هذا الرقم المخيف الذي لا يبشر بخير؟ تطرق بيان وزارة التجارة إلى تفنيد الأرقام دون التطرق إلى الإجراءات التي تم اتخاذها في عقاب أولئك المجرمين الذين إن مروا دون عقاب رادع يكون عبرة لهم ولغيرهم فسنجد أنفسنا أمام عشرات الملايين من حالة الغش، والجهد الذي قامت به وزارة التجارة جهد مخلص يستحق الإشادة وخطوة تبشر بالخير في اتجاه الحرص على سلامة المواطن وصحته. المجرمون الذين يقومون بتجهيز عشرة ملايين عبوة زيت فاسدة لم تساورهم ذرة من خوف من أن هناك جهة مسؤولة ستكشف أمرهم خلال أيام معدودة، فالأمان والغطاء اللذان تم العمل تحتهما من قِبل هؤلاء المجرمين يستحق البحث والدراسة والتساؤل! فهذه الأرقام المخيفة التي تكشف ضخامة حجم الغش لم تأتِ بين عشية وضحاها، وليست وليدة يوم وليلة، هناك بيئة خصبة للغش يجب تغييرها قبل فوات الأوان!.