تبادر إلى ذهني للوهلة الأولى وأنا أستقل الحافلة مع ممثلي وسائل الإعلام، صباح أمس، لتفقد العمل في بحيرة المسك، والتخلص من الصرف الصحي شرق جدة، أنني سألمس نواحي إيجابية ونقلة في الخدمات تتوج اجتماعات وجهودا متتابعة لم تتوقف للأمانة عنها منذ سيول الحج الماضي. الجولة كانت عملية في الشرح الذي بدأه وكيل الأمين ولكن التفصيل فيه وتداخل لغة الأرقام في انخفاض مستوى بحيرة الصرف بات أمرا مؤرقا للمتابعين فمن عشرة أمتار إلى ثمانية إلى ستة أمتار، انخفاض متوال للمنسوب، في حين كميات المياه المتوفرة تتم معالجتها، الأمر الذي يستدعي الوقوف شاهد عيان لمعرفة مدى المصداقية في الإنجاز، ومدى الأمل في المستقبل القريب. على مقربة من بحيرة الصرف كانت النتيجة أفضل من سماع لغة الأرقام، شاهدت بأم عيني انخفاضا حقيقيا يسمو عن أي لغة قد تحتمل التداخل على المتابع وتجعله في حيرة: «فعلا أصبح بإمكان سكان الأحياء أن يصادروا الخوف من قلوبهم». وبعد اتجاهنا إلى محطات معالجة مياه الصرف الصحي، كنا بحاجة ماسة إلى تبسيط واضح لمراحل عمل على أرض الواقع، سرعان ما تبددت أمام مدير المشروع الواثق من عمله عندما فاجأ الجميع بشرب كوب من المياه المعالجة من بحيرة الصرف، والابتسامة تعلو محياه، في حين ألجمت الدهشة الآخرين، خصوصا أن المياه التي انسابت في جوفه كانت من أقرب أنبوب لمحطة المعالجة. النباتات العطرية كنا تواقين لتفقد الغابة الشرقية، بعدما سمعنا أن هناك نباتات عطرية وأخرى طاردة للحشرات، كنت تواقا لأن أرى تجربة علمية عملية لما تبقى من تفاصيل الشرح، ولكن المسؤولين اكتفوا بالشرح المفصل عن معلومات متتالية، ورغم ذلك اقتنعت بأن هناك عملا ومحاولات جادة للتغيير، خصوصا في تطوير وادي العسلاء الذي وزعت بروشورات عنه، تضمنت شرحا مفصلا وصورا تداعب الواقع قبل أن تجتاح الخيال، ولعل تطبيقها على أرض الواقع يحتاج إلى موازنة ضخمة ومتخصصين على قدر عال من الكفاءة، ولكني لمست سعادة في نفوس المسؤولين، وهم يعلنون انخفاض الخطر وتجاوزه إلى تطوير المنطقة لتصبح متنزها، ففي أقل من عام تحولت معالجة الكارثة إلى ترفيه؛ ما يدل على أن الميزانيات المرصودة وفيرة والكفاءات تم جلبها بدقة، ولكن تبقى الصعوبة في وعورة المكان وسوء الطريق الموصل إلى الموقع، وكذلك ما قد يعترض تلك الخطط من روتينية، عطلت مشاريع وأودت خططا سابقة، إلا أن الأمل في أن الأمانة، ربما أعدت حائط الصد لمنع الخرق. 25 ألف وظيفة تداولنا المعوقات والآمال مع نائب أمين جدة المهندس خالد باعقيل، فلم يتردد في إزاحة كل صعب أمام تفكيرنا، كاشفا ل«شمس» أنه سيتم توفير 25 ألف وظيفة للشباب من خلال مشاريع الأمانة في بحيرة الصرف الصحي والغابة الشرقية والأراضي الرطبة ومشروع تطوير وادي العسلاء. واعتبر تلك المشاريع العملاقة بداية لاستيعاب الآلاف من شباب الوطن الجاد: «هذه المشاريع تتيح وظائف متعددة للشباب في عدة جوانب، والأمانة ستطور شرق جدة وسيتحول إلى منطقة متميزة مليئة بالخدمات المختلفة، وهيئة المساحة الجيولوجية درست المخططات التي تم إيقافها وقطعت شوطا كبيرا في المسألة، وسيتم قريبا تحديد مصير هذه المخططات بعد انتهاء الدراسات اللازمة». غابة خضراء أمانة جدة خلال الجولة أعلنت أن بحيرة الصرف الصحي التي كانت تسبب آلاما لسكان جدة، تحولت شيئا فشيئا إلى حدائق ومتنزهات خضراء ومنطقة ترفيهية مزدانة بملايين الأشجار والممرات المائية والمياه المعالجة بشكل جيد: «حاليا يوجد أكثر من 85 مليون متر مربع بجوار البحيرة أصبحت خضراء وتكسوها الأشجار التي يتم ريها بالمياه المعالجة الناتجة عن بحيرة الصرف وتستهلك ما يقرب من 30 ألف متر مكعب يوميا». واسترد نائب أمين محافظة جدة المهندس خالد بن فضل عقيل، الذاكرة للتأكيد على أن بحيرة الصرف الصحي كانت حلا مؤقتا إلى حين اكتمال شبكة الصرف الصحي في جدة. قرار بالإجماع وشدد وكيل الأمين للتعمير والمشاريع المهندس إبراهيم كتبخانة على أن: «قرار إنشاء البحيرة ورمي الصرف، فرضته الضرورة نتيجة لمرحلة انتقالية لعدم اكتمال شبكة الصرف الصحي، وتم اتخاذه من عدة جهات تمثلت في لجنة شكلت لهذا الغرض من أكثر منذ عشرة أعوام، ولم تنفرد الأمانة بقرار إنشاء تلك البحيرة، وذلك عوضا عن قيام سائقي وايتات الصرف برمي مياه الصرف الصحي حيثما كان وفي أي منخفض أو مزرعة، وكذلك لمواجهة مخاطر زيادة كميات الصرف الصحي التي لا يوجد محطات معالجة كافية تستوعب كل ما يتم شفطه من البيارات، حيث إن طاقة محطات المعالجة هي نصف ما يضخ لمدينة جدة من مياه عذبة محلاة لازمة لسكان محافظة جدة». نقلة نوعية وأضاف كتبخانة أن مناطق شرق جدة ستشهد نقلة نوعية بتكوين حزام أخضر يحيط بجدة: «نعمل على تحويل الألم بسبب بحيرة الصرف إلى سعادة، حيث تتم حاليا دراسة العديد من المشاريع التي سيتم تنفيذها على مساحات تزيد على 100 مليون متر مربع وتحويل بحيرة الصرف إلى بحيرة نظيفة من المياه المعالجة، وخطر البحيرة اقترب من الزوال عقب انخفاض منسوبها أخيرا إلى ثمانية أمتار في ظل المشاريع العاجلة لدرء مخاطرها والتي انتهى تنفيذها قبل أكثر من شهرين، وسيتم تحويل منطقة البحيرة التي ينبذها الكثيرون إلى منطقة سياحية ومتنزهات لأهالي جدة، فضلا على تفريغ كميات المياه المعالجة المتجمعة خلف السد الاحترازي والتي كانت تقدر بنحو ستة ملايين متر مكعب». وبشر كتبخانة أهالي العروس بافتتاح محطة المعالجة التي يجري العمل في مشروع التوسعة الخاصة بها، حيث سيتم الانتهاء من تنفيذها مع نهاية شوال الجاري: «يهدف المشروع إلى معالجة المياه الموجودة ببحيرة الصرف ثلاثيا بنظام الأغشية الخلوية، وهو أحدث أنظمة المعالجة في العالم، ورفع كفاءتها لتزيد طاقتها من 30 ألف متر مكعب من المياه حاليا إلى 60 ألفا، وبعد اكتمال المشروع لن تكون هناك حاجة إلى بحيرة الصرف، حيث سيتم استقبال وايتات الصرف الصحي المنزلي مباشرة إلى محطة المعالجة ومنع الصرف الصناعي وتوجيهه إلى محطة المنطقة، مؤكدا أنه في حال افتتاح محطة المعالجة بتوسعتها الجديدة فإنه سيتم تجفيف البحيرة في غضون ستة أشهر». بداية الحياة وأوضح المدير التنفيذي لمشاريع وادي العسلاء ومستشار الأمين للتعمير والمشاريع المهندس محمد عبدالعزيز التميمي، أن المرحلة الأولى من الغابة الشرقية التي افتتحها نائب وزير الشؤون البلدية والقروية الأمير الدكتور منصور بن متعب، قبل أربعة أشهر، تتضمن زراعة 200 ألف شجرة على مساحة 25 مليون متر مربع، بها ستة أنواع من الأشجار وهي أشجار طاردة للحشرات ورغم أن لها روائح نفاذة إلا أنها عطرة في الوقت نفسه: «تهدف لتكوين مسطح أخضر يهدف إلى إيجاد حلول بيئية لمشكلة مياه الصرف الصحي من خلال تبني آلية فعالة لاستغلال مياه الصرف الصحي المعالجة في استخدامات مفيدة واستحداث تنوع في الأنشطة الترفيهية في مدينة جدة، حيث تستهلك هذه الغابة أكثر من عشرة آلاف متر مكعب من المياه المعالجة يوميا، وأصبح منظرها العام حاليا يشعرك بأن الحياة بدأت تدب في شرق جدة، والأمانة ستوقع قريبا مع إحدى كبريات الشركات المصنفة ضمن شركات الدرجة الأولى في مجال الزراعة، على ترسية مشروع المرحلة الثانية من الغابة الشرقية، على أن يتم التنفيذ في غضون عامين». محطات المعالجة وأشار وكيل أمين جدة للتعمير والمشاريع المهندس علوي بن محمد سميط، أن الأمانة نفذت عددا من المشاريع الحيوية شرق الخط السريع، حيث أقامت محطة معالجة في وادي العسلاء، وبلغ حجم المياه المعالجة 30 ألف متر مكعب، ومحطة أخرى بطاقة 30 ألف متر مكعب للاستفادة منها في ري الأراضي الرطبة والغابة الشرقية: «أمانة جدة سلمت في الأول من شعبان إلى شركة المياه الوطنية بحيرة الصرف الصحي، والسد الترابي، وبحيرات التبخير ال11، ونظام الضخ المؤقت بين بحيرتي الصرف الصحي الكبيرة والصغيرة، ونظام الضخ الدائم من بحيرة الصرف الصحي إلى محطة المعالجة». التجفيف بعد عامين وتوقع مستشار الأمين والمدير العام لتنفيذ مشاريع وادي العسلاء بشركة جدة للتنمية والتطوير العمراني، المهندس محمد التميمي، الانتهاء من تجفيف بحيرة الصرف الصحي في 26 من جمادى الأولى عام1432ه، لافتا إلى أن وزارة المياه تسلمت البحيرة في الأول من شهر شعبان الجاري. الغابة الشرقية وأضاف المدير العام للحدائق والتشجير في أمانة محافظة جدة، الدكتور بهجت بن طلعت حمودة، أن الغابة الشرقية تعد المرحلة الأولى من غابة كبيرة تبلغ مساحتها المزروعة أكثر من عشرة ملايين متر مربع، موضحا أن هذا المشروع يوفر مصدرا للأخشاب ويتضمن مستقبلا ممرات وطرقا وأماكن للمشروبات. وبين أن مشروع الأراضي الرطبة يستخدم لزراعة نباتات ذات جدوى اقتصادية ليس منها ما يشكل آثارا بيئية سلبية بل من بينها عدة نباتات طاردة للحشرات. نهاية وأمل أربع ساعات كان عمر الجولة الميدانية مع مسؤولي أمانة جدة يتقدمهم وكيل الأمين للتعمير والمشاريع المهندس علوي سميط ومدير إدارة الحدائق الدكتور بهجت حمودة ومدير إدارة مشاريع وادي العسلاء، وشملت الجولة بحيرة الصرف الصحي ومشروع الغابة الشرقية ومحطات المعالجة والغابة الشرقية ومشروع الأراضي الرطبة، لكنني غادرت المكان وفي ذهني أمل وأمنية، وتعجب من تلك الثقة التي بدا فيه المسؤولون عن الأمانة، فهل السر في توفير كل السبل، أم في المدة الزمنية التي تبعد عنهم التوجس؟ .