قالوا شعراء ونقول لهم لا تعرفون معنى المشاعر ولا أثرها، قالوا أدباء قلنا بل أنتم عن الأدب بعيدون. ثلة تؤجج القلوب الغرة، وتلعب على أوتار الشلة، وضعوا طيش سهراتهم وقود فتنة لن يحملوا وزرها، وستسقط على الرؤوس اليافعة بحملها وسيبكي من عاقبتها كبار القوم. ساحة الشعر ضاع ماء وجهها، ورخصت أسهمها، وامتهنت عزتها، باعها مغتصبوها بثمن بخس، فهي لا تعني لهم شيئا وهم عن مبادئها بعيدون ومن هلاكها قريبون. لا يلام فيها إلا من جعل لهم فيها ملاذا، وفي صدور المجالس مكانا، ورفع الرايات البيض فوق سواد صنيعهم، وخبيث عملهم. ما يحدث على الساحة الشعرية عبث أطفال بنار أعظم علينا من الحروب مجتمعة، ومن أوبئة العصر ومصائبه، نار بركان ظننا أننا ودعناه قبل عقود من الزمن وأن ما بقي منه ليس إلا شاهدا على ظلام زمان مضى وعبرة لزمان قادم. ما لا يعلمه هؤلاء أن بنادقهم المهترئة عندما ترفع في وجوه بعضهم البعض، وتنطلق رصاصاتهم المسمومة منها، فإنها لا تصيب الخصم فحسب بل تصيب الوطن بكامله في صميم قلبه. أما آن لنا أن نرى أولئك الذين يعبثون باللغم المهمل، ويثقبون سفينة الوطن، أن يزاحوا عن منصات الإعلام، ويعاقب القاصي منهم والداني. ألا تذكرنا هذه الأجواء المشحونة والمتوترة بحرب البسوس ولكن دون ناقة أو جمل؟ هي حرب كلامية منبعها الحقد والكراهية والفرقة بين أبناء وطن واحد، سببها أن فلانا قال لفلان. لا أجد خطرا على الجيل كله أكبر من تحميله وزرا لم يزره، ومجدا لم يصنعه، وعداوة لم يبدأها، يقودها رعاع القوم وقصيرو النظرة، لأسباب أقل ما توصف به أنها أتفه من جناح بعوضة. قبح ما يصنعون، وكيف يجرؤون فيسمون ذلك شعرا، أو يصنف ذلك أدبا، وأن يجعلوا لجهلهم مهرجان جاهلية، يأخذنا في آلة الزمن إلى الحقبة الحجرية. عجبا كيف تتسابق الأمم على إثراء حياة الأرض ونحن نتسابق على سحق بعضنا الآخر.