كان ذلك في دعوة عشاء أقامها زوجي في بيتنا، دعا فيها عددا من أصدقائه، وبحكم صغر بيتي، فإن المطبخ مجاور لصالة الاستقبال، لذلك سمعت حديثا أثار اهتمامي، إذ بدأ أحدهم حديثه بأنه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في البيت، وصار يقص حدثا بعد آخر يثبت فيها أنه الآمر الناهي في البيت، ثم زاد حماسه وانساق يروي الأساطير، أو قد لا تكون أساطير، والله أعلم. فهذا المتحدث تحديدا زوجته صديقتي، والحقيقة أن ما تقوله تماما عكس ما يقوله هو الآن، فمن الصادق منهما؟ علا صوت الرجال في الصالة فأخذوا يتسابقون للفوز بلقب «الأسد» ولم أعد أسمع إلا زئيرا أقوى من زئير، فأخذتني الدهشة لدرجة أنني أسقطت بعض الأطباق، ما دفع زوجي للجري إلى المطبخ قائلا: «هل أنت بخير؟ أخفتني عليك». قالها وهو يحاول مساعدتي في تنظيف المكان، فتساءلت في نفسي: «هل يا ترى أنت من هؤلاء الذين يزأرون من وراء زوجاتهم؟». خرج زوجي بعد أن اطمأن علي، فهل تراه سيخرج ليقول لأصحابه: إنه صفعني لأنني كسرت الأطباق؟! في الصالة كان الموضوع شيقا لدرجة أنهم عادوا من جديد يبحثون عمن يستحق لقب «الأسد» وعاد الزئير من جديد، فأصبح لدي 12 أسدا في صالتي عدا زوجي الذي التزم الصمت واكتفى بالضحك. ربما كان ذلك إيمانا منه بالمثل القائل: «ابعد عن الشر وغني له» وحتى لا أظلمه قد يكون صمته لأنه من ذلك النوع المسالم المحب العطوف الذي يرفض استخدام العنف. فهو من أولئك الرجال القليلين الذين يحترمون أنفسهم أولا ثم زوجاتهم، ويعرف جيدا كيف يأخذ ما يريد بطيبته وعفويته. علق في ذهني سؤال واحد: هل سيتحول هذا الزئير إلى مواء بمجرد أن يصل كل أسد إلى باب بيته؟! من ثقب الباب: مشغول.. ذلك الذي فرغ نفسه لآراء الناس.