«قصائد تنبش القبور / وأخرى باعثة للحياة / قدرهم في الغرب النسيان / وفي الشرق الجحود / حقيقة شعرهم الخلود / هم لا ينتمون إلى مكان رغم انتمائهم لبقاع الأرض / يتحدثون الكثير من اللغات / ولا يفهمهم أحد» 39 شاعرا «من بينهم خالد مطوع وسهير حماد وصاموئيل هازو وليزا مجاج ونعومي شهاب ناي» يتحدثون إليك كأنك المعني بحديثهم، ويكسرون الصورة النمطية للعرب والعرب الأمريكيين، مخالفين توقعات القارئ الأمريكي والعالمي عن تلك العوالم على الرغم من احتفاظهم بشيء يسير مما يبرر ظهورهم في انطولوجيا للشعر العربي الأمريكي المعاصر. وبما أنها أحد القوالب الأدبية المستعصية على التعريف، فالأفضل أن ننظر إلى أصواتهم على اعتبار أنها في حوار مع ذاتها ومع الصوت المجاور لها مع أنها تتجاوز ذلك إلى الحوار مع المجتمع المحلي «الأمريكي» وتتحداه. في سبيل إنجاز هذه الانطولوجيا، اعتمد محررها حيان شرارة في انتقاء القصائد على جودة الشعر وانتشار الشاعر على حد قوله: «إن الشعر العربي الأمريكي يسقط عندما نتناوله سياسيا أو عرقيا على الرغم من صعوبة إخراجه من تلك الفضاءات، لكنها نافذة للعودة لأعمال هؤلاء الشعراء المتناثرة في شتات الورق والأرق». لذلك، وعلى الرغم من الجوائز والإنجازات الشخصية اللامعة، يظل إبداع الشاعر العربي الأمريكي بعيدا عن انطولوجيا الشعر الأمريكي ومناهجه الأكاديمية حتى مع ازدياد الاهتمام بالعرب والعرب الأمريكيين في أمريكا بعد أحداث سبتمبر. لكن هذه الأنطولوجيا محاولة أخرى من قِبل تلك الأصوات للوصول إلى القارئ الأمريكي وإن كانت أصواتا شعرية جديرة بالقراءة في الوطن العربي أيضا. وأهم ما يجمع هؤلاء – بحسب شرارة – الانشغال بالمكان والجغرافيا الأمريكية على الرغم من تعدد هذه الجغرافيا في القصائد، بمعنى أن الحضور العربي الجغرافي محدود جدا في هذا الشعر وإن كانت بعض القصائد «تدور» أحداثها في أرض عربية إلا أنها لا تمجد ذلك البعد المتخيل للقارئ الغربي. كما أن معظم هذه القصائد تطرح جدلا أكثر اتزانا وعمقا من ذلك الصخب الذي يلازم الحوارات عن العرب أو العرب الأمريكيين في وسائل الإعلام الأمريكية. واختيار شرارة لهذه القصائد كان مبنيا أيضا على شعوره بضرورة الرد على الآراء المغلوطة السائدة في الإعلام الأمريكي عن ثقافة وحضارة العرب أو عن العرب الأمريكيين أنفسهم. ومن هذا المنظور يصبح الحديث عن انفصال الشرق أمرا مستحيلا لهؤلاء الشعراء وإن كانت الحاجة ملحة إلى التفريق بين تلك الكيانات المختلفة سياسيا وثقافيا وأدبيا مع ملاحظة أن السياسة الخارجية الأمريكية - بتحيزها الواضح للكيان الصهيوني- تشكل أهم القضايا التي توحد العرب الأمريكيين. ويلاحظ شرارة أن الجيل الجديد من الشعراء يفتقد في الغالب إلى تماس شخصي ومباشر مع العالم العربي حتى لو كانت مواضيعهم في المجمل تستلهم المشرق العربي بكل أزماته ومشكلاته، لكن عن شعرهم يكتب حيان شرارة أن الشاعر العربي الأمريكي دان العنف والإرهاب لكن الإعلام الأمريكي تجاهل هذه الأصوات المتزنة منشغلا بحديث المتطرفين تلبية لسياسة موجهة وواضحة. وربما تتقاطع هذه الأصوات على شتاتها وتفرقها في الرغبة بالاحتفاء بالحياة وتعقيداتها في مجتمع ما بعد الحداثة كإطار ثقافي وأساس مادي. لذلك لم تتعمد قصائدهم أن «تصحح» الصورة النمطية للعرب أو العرب الأمريكيين، بل اختاروا أن يضيفوا أبعادا معقدة لهويتهم في نزوع واضح إلى التجريب الأدبي في الشكل والموضوع، وهو تجريب لم ينل حظه من النقد والتحليل بسبب طغيان سؤال الهوية العرقية والسياسية على دراسات هذا النوع الأدبي مع قلتها. وهذا التجريب الأدبي «بمعنى الخروج عن الشكل الأدبي السائد واقتراح أساليب تعبيرية جديدة» يتجلى في قصائد مثل «النبوءة العربية» لعتل عدنان التي اعتمدت على الصورة اعتمادها على الكلمة، وفي قصيدة «تقريبا واحد» لديفيد ويليامز، أو حتى في قصائد حيان شرارة نفسه، وهم جميعا انتهجوا طريقة سردية ابتعدت عن قصيدة النثر واقتربت من السرد القصصي، وهي ظاهرة تستحق الدراسة .