«الحياة دون أقساط، موت بالتقسيط» هذا شعاري الذي أرفعه دوما، فراتبي الذي «أمغطه» طوال سنوات أصبح مرهقا جدا من كثرة الالتزامات التي يغطيها، طبعا أمد رجلي على قدر لحافي وأتكيف مع هذا الوضع غصبا عني، ولكني أشفقت على هذا الراتب مما يحمله من أثقال تنوء عن حملها العصبة، فخياراتي الاقتصادية محدودة ولكن رغم ذلك اكتشفت أن إدارة مثل هذا الراتب المتواضع تجعلني مستثمرا قديرا وجديرا باستحقاق ميداليات التكريم والإشادة، فأنا مؤمن بأن الاقتصاد نصف المعيشة، ولكن يخيل لي أحيانا أنني زودتها «حبتين» فأنا في الواقع عاجز تماما عن تحقيق حد أدنى من الرفاهية، صحيح أنني وصلت مرحلة الكفاية من ضرورياتي ولكن قليل من الكماليات مطلوبة لشاب مثلي يحب أن «يفلّها» قليلا ليستمتع بالحياة، ولكني لم أجد لذلك سبيلا. الأقساط أشبه بحبل مشنقة نضعه بكامل قوانا العقلية حول رقابنا، أو هي قيود وسلاسل تلف أرجلنا فتصبح حركتنا بطيئة، ولا يمكن أن نتحايل على هذا الوضع، ولكن أفضل ما اكتشفته في التكيّف معها أن نسلم بها كنوع من القدر والشر الذي لا بد منه، فالحياة مبادئ وأفكار، ولذلك بدلا من الهروب إلى الخلف قررت الهروب إلى الأمام بأن أتعايش مع هذه الأقساط وأقبلها كجزء من حياتي، وذلك ما يعني الاستغناء عن كثير من الأشياء لعام أو اثنين بحسب فترة تلك الأقساط، أي أنني أصبحت واقعيا وخبيرا في الحياة في إطار ضيق، وبدلا من أن أهرب منها فإنني أهرب من بعض الالتزامات التي تمس كرامة تلك الأقساط. وفي الحقيقة وجدت أنني صريع لعدة أقساط أولها البيت ثم السيارة وبعض الأجهزة المنزلية، وذلك ما اضطرني للعمل بدوام جزئي إضافي، أي أنني أصبحت كائنا عمليا، وذلك مطلوب من واقع فكرتي في استثمار شبابي للمستقبل، ورغم أنني مرهق جدا إلا أن إرهاق الأقساط تحول لطاقة إيجابية في تحفيزي لبذل مزيد من الجهد للإيفاء بها، وهي سنتان أو ثلاث وبعدها أنال حريتي، فقد كنت دوما مضطرا إلى الدخول في برامج تقسيط كنت أنظر إليها عبئا ثقيلا وهي كذلك فأنا لا أمدحها، ولكنها تجربة قاسية من الصعب أن أؤسس حياتي دونها وأنا في بداية مسيرتي العملية. من الجيد أنني وجدت وظيفة فذلك هم أسوأ من نتائج الأقساط، فبهذه الوظيفة يمكنني أن أبدأ ولكن بما يكفي بعض الالتزامات، ولذلك تبقى الأقساط خيارا ملازما لأي بداية في الحياة، والأهم أن نتكيف معها ونبرمجها بما يوفيها حقها حتى نتخلص منها فهي سجن لا بد أن ندخله بكامل اختيارنا وخروجنا منه بيدنا من خلال التزامنا بالسداد، وبعدها يمكن أن «نفلّها» براحتنا فإما هي أو الطوفان.