رواية «يعني.. عادي» جاءت مطابقة لعنوانها تماما، وكانت عادية جدا، رغم أنها اختلفت عن معظم الروايات السعودية التي طرحت أخيرا، من حيث العنوان، وطريقة السرد التي جاءت كفصول قصيرة، قررت ميساء أن تسميها لوحات بلغ عددها 42 لوحة! اللوحات كانت أشبه بنصوص قصصية موجزة يمكن أن تكون مستقلة، إلا أن الكاتبة أرادت أن تجعلها متصلة بالحديث عن الشخصيات ذاتها وسرد حياتهم على مدار أربعين عاما تقريبا. وتبدأ الرواية بمشهد الطفلة «غربة» التي تبحث عن أمها التي انفصلت عن زوجها وتستعد لزواجها برجل آخر! فتنتقل طفلة الأعوام الستة للعيش مع والدها وزوجته التي تعاملها بجفاء وتحذرها من أن تقول لأحد إن هذا هو والدها! ثم تنتقل غربة بقرار مفاجئ على القارئ تماما إلى العيش في مدرسة داخلية بلبنان!. تعود بعد أعوام لتكمل دراستها الثانوية واستمرار المعاملة السيئة من زوجة الأب، وتنتقل لجامعة الملك سعود والعيش في السكن الجامعي، وأثناء التدريب تلتقي بشخص يعرف والدتها التي تبحث عنها وتريد الوصول إليها وترى في هذا الرجل وسيلة تمكنها من رؤية أمها بسهولة، وتوافق على طلبه بالزواج منها على الرغم من كونه مصري الجنسية، وتنكر على والدها موافقته المتعجلة دون اعتراض أو توجيه أو نصح، ولكنه يوافق كتكفير على ذنوبه معها طيلة الأعوام الماضية! وهو تصرف قد يستهجنه القارئ من شخصية تنتمي إلى هذه المنطقة بكل العادات والتقاليد التي تكبح سكانها. وتستمر معاناة «غربة» مع هذا الزوج ومعاناة أبنائها الذين يحملون جنسية مغايرة في بلد يرفض البعض فيه الاختلاف وينكره ويعتبر أمر هذا الزواج شذوذا وغرابة! ولكن الغرابة ليست في موافقة والد «غربة» على الزواج هذا فقط، بل تصادفنا في أكثر من وضع: «طفلة في الخامسة من عمرها تحدثها والدتها عن أمر زواجها بكل صراحة وهدوء وتقبل الفتاة هذا الأمر بصمت وهدوء»!. ثم يأتي الأب ليحدث ابنته وهي في التاسعة من عمرها ليقول لها: «أنا يوم تزوجت أمك لم أشعر بميل تجاهها وبعد ما تكبرين بتفهمين، ولكن أمك حملت بك سريعا وقررت أنا الانتظار حتى تلد...». سيبدو واضحا للقارئ أن النزعة الأخلاقية المبالغ فيها سيطرت على الرواية، فمن يعمل أعمالا شريرة يجد عاقبة ذلك في الدنيا والكاتبة تصور ذلك بوضوح شديد، كما حدث مع زوجة الأب حين تزوج زوجها امراة أخرى ولم يعد يسأل عنها وعن أولاده!. ولن يطول الأمر بالقارئ حتى يكتشف أن الشخصيات في الرواية غير مقنعة في طباعها وتحولاتها المفاجئة فبناؤها لم يكن مدروسا بعناية، كما فاجأتنا الكاتبة بعنف خالد المصري زوج غربة يوم تخرجها. لماذا اختارت الكاتبة اسم «غربة»..؟! الإجابة واضحة ومباشرة! ولكن الكاتبة تخطئ مرة أخرى حين توجه القارئ بصورة مباشرة إلى دلالة هذا الاسم حين تختم إحدى اللوحات ب «ملحوظة» تشير فيها إلى العرى الوثيقة بين اسم غربة وحياتها! ومرة أخرى حين تختار اسم «فيصل» ليكون كفيل زوجها وكأنه الفاصل بين حياتها الأولى وحياتها الجديدة!