تحت أعين المسؤولين في المستشفيات، وعلى أنغام الفرحة، يتلاقف الكثير من الرواد القبل الممنوعة داخل العنابر لا وازع لصوت العقل ولا ردع لصوت الضمير الذي يغفو للحظات من أجل إرضاء الذات في العنابر، وتحديدا في غرف المواليد، يوزع الزائرون القبل على الرضع الذين لم تتجاوز أعمارهم الساعات، والقبلة الأولى كانت من الأب الذي لا يضع لانتقال العدوي أي حسابات، فيطبع بعضهم قبلة الموت أو المرض على أقل تقدير على خدي الطفل ابن الساعة أو الساعتين، والمصيبة الكبرى تتبلور عندما يكون الأب ممن ابتلوا بالتدخين، وهنا يكون أهدى طفله أول نفس دخان سلبي. لا ترفع جميع المستشفيات راية المنع عن تقبيل المواليد الجدد، بل في أحيان كثيرة تسارع الممرضات لتذكير الآباء أو الأقارب، بإمكانية تقبيل الصغار من أجل البشارة أو ريالات معدودات، في ظل فرحة الأسرة أو العائلة بالقادم الجديد. وتتساقط من الحسابات لغة «الوقاية خير من العلاج»، بل البعض يسارع لاتهام الأب المتحفظ من القبل المميتة للصغار بأنه لا يستحق الزيارة. علي الحازمي وضع حدا لتقبيل مولوده الجديد: «عرفت أن المولود شديد الحساسية لما يدور حوله، فالتزمت مع زوجتي أن نمنع تقبيل المولود في الساعات الأولى، حتى أنا لم أقبله لحمايته من العدوى، وأعترف أن المهمة كانت صعبة، والبعض تفهم الموقف، لكن البعض الآخر خرج عن طوره، ولا زلت أجني ثمار الفكرة من المقاطعة، بل بصراحة بدأت أردد: ليتني ما فعلت». الإدارة مسؤولة أما محمد عبدالعزيزالخريجي الذي وجد نفسه مضطرا لقبول الفكرة، فور استقباله أول مواليده، فصب جام غضبه على إدارة المستشفى الخاص لأنها لم توفر له سبل الحماية من هفوات الزائرين والأقارب: «لا أعرف لماذا يضعوننا في موقف الإحراج، فهم الأولى بذلك، وإذا كانوا يضعون اللافتات لمنع التدخين في العنابر أو في أرجاء المستشفى، ويلزموننا بارتداء الجوارب في غرف العمليات أو العناية المركزة، فما الذي يمنعهم من وضع مثل هذه التحذيرات لنحتمي بها على أقل تقدير، خاصة في ظل ما نعيشه من تقاليد مجتمعية يصعب تغييرها إلا بالتعليمات المشددة». ولا يزال الحازمي أيضا يتجرع مرارة التجربة التي حمى فيها طفله: «لا أستطيع أن أفعل شيئا، والكل بات يصفني بالمتحسس، وينظرون إلي نظرة اشمئزاز». عادات خطيرة ويرى حاتم الغامدي أن عادة التقبيل مسألة غاية في الحساسية من حيث العادات الاجتماعية، خاصة أنه من المستحيل أن يترك العديد من المقربين لدى الطفل هذه العادة: «يختلف الأمر من شخص إلى آخر، حيث إن على الأب أو الذي يريد تقبيل الطفل أن يعرف ما إذا كان سليما صحيا، ليتمكن من تقبيل الطفل، ومن الأفضل أن يتخلى الأب المدخن عن الأنانية، ويمتنع عن تقبيل طفله». ويروي قصة طفلته التي تعرضت للحساسية في الوجه بسبب التقبيل الزائد أثناء الزيارات العائلية: «يجب على الأم أن تكون على وعي كامل بالخطر الصحي على الطفل وتمنع تقبيله، حتى ولو ساءت العلاقات. وفي حالة الإحساس بالرغبة في التعبير عن حرارة اللقاء والحفاوة أثناء مقابلة الغير، فلا داعي لتبادل القبلات المصاحبة للمصافحة أثناء الترحيب، ويكتفى بالتبسم وعدم العبوس في وجه من نلقاه، مع مراعاة إلقاء النظرات الترحيبية واستخدام العبارات الرقيقة التي تعبر عن المشاعر الحقيقية والأحاسيس الصادقة، وقد ثبت أن تبادل القبلات التي تتم على سبيل الترحيب قد تعجز في التعبير عن ذلك في كثير من المواقف». علاقة حميمية ويلفت نايف الجنيدل الانتباه إلى أن: «العلاقة الحميمية بين أفراد الأسرة يصعب فيها التخلي عن عادة تبادل القبلات، لكن يمكن الحد من أضرارها عن طريق تقبيل الجبين بالنسبة إلى الأبناء، أما الوالدان فيتم تقبيل أياديهما تقديرا وتكريما لهما واعترافا بعظيم فضلهما. ولتجنب تبادل القبلات المصاحبة للمصافحة أثناء لقاء الأصدقاء أو الزملاء أو الأقارب، يمكن مد الأذرع وتثبيتها للحظات قليلة لمنع التقبيل، وإذا تعذر ذلك يمكن المعانقة السريعة مع عدم تلامس الأوجه. خيال علمي وعلى النقيض من التفهم تقف الجدة أم سارة العتيبي، فهي لا تريد الاعترف بأي مضامين علمية بشأن انتقال العدوى من أي شخص للرضع: «إذا كانت كما تدعون أنها قُبل الموت، فلماذا لم نمت نحن ولا أنتم؟ أعتقد أن آباءنا وأجدادنا قبلونا عشرات القبل فور ولادتنا، كل هذه الأمراض نسمع بها للأسف مع تقدم الزمن، وليست إلا كما يقولون خيالا علميا من مبتكرات العصر». القبلات الملوثة لكن استشاري طب الأطفال في مستوصف الأسرة الدكتور خالد مسعود، يستغرب التمادي في عدم إصدار قرار بمنع القبل داخل المستشفيات: «يعرف الأطباء مخاطر القبلات للأطفال حديثي الولادة، لذا يجب مبادرتهم بالمطالبة بمنعها نهائيا، خاصة أن القبلات في ظل انتشار الأوبئة وإنفلونزا الطيور والخنازير والفيروسات المتناثرة في كل مكان تعتبر خطرا يهدد الرضع، وعلينا استبدال العادة الخاطئة بسلوك آخر في التعبير عن الحب للطفل الذي لم يكمل الشهور الستة الأولى من عمره، والعديد من المستشفيات للأسف لا تمنع القبلات الملوثة بعد الولادة، حيث لم تكتمل المناعة لدى الطفل، فلو حدثت قبلة بين شخص بالغ وطفل رضيع ينشأ أولا التهاب فطري باللسان ينتشر في اللثة وينتشر في جميع أنحاء فم الطفل، وبالتالي تكون «الريالة» عنده مستمرة، كذلك عدم القدرة على الأكل الكافي، كما تنتقل الميكروبات مثل مجموعة الميكروبات العنقودية الموجودة في فم الإنسان بصورة طبيعية حتى ولو كان سليما، وعن طريق القبلة تنتقل للطفل فتسبب له الأمراض نظرا إلى ضعف مناعته، فينتج عنها التهاب الحلق والفم، كما تؤدي إلى التهاب اللوزتين، وعندما يكبر الطفل ويبلغ عمره عامين، تكون لها مضاعفات كبيرة على القلب أو التهابات متكررة في الكليتين، ومن الأمراض التي تنتشر عن طريق التقبيل مرض الحمى الشوكية، وتنتشر أيضا عن طريق ميكروبات موجودة بصفة طبيعية في فم الإنسان». فيروسات قاتلة وحذر استشاري الأذن والحنجرة في مستشفى الملك فهد الطبي الدكتور علي السويد من التساهل مع استخدام العادة الخاطئة عند تقبيل الأطفال: «الأطفال يتولد لديهم جهاز المناعة بطريقة تتسبب في نقل الفيروسات القاتلة، حيث إن الطفل عندما يولد يأخذ من جهاز المناعة لدى الأم وبعد فترة يبدأ جهاز المناعة الخاص بالطفل ينمو في جسده، وفي هذه الفترة ما بين انقطاع الفترتين يكون الطفل في حالة خطرة جدا، حيث إن العديد من الآباء أو الأمهات يقبلون أطفالهم في هذا الوقت ويحملون العديد من الفيروسات التي تكون ضارة وقد لا يشعرون بضررها، وفي الوقت نفسه تنتقل إلى الطفل، ومن المحتمل أن تتسبب في وفاة الطفل، وسبق أن وقفت على حالة طفل لا يتجاوز عمره 26 يوما مصاب بمرض إنفلونزا الخنازير وقد يكون السبب الرئيسي هو التقبيل، ما تسبب في تنويم الطفل في العناية المركزة، وينبغي على المجتمع أن يترك العادة الخاطئة في تقبيل الأطفال في الشهور الأولى، ويكون التقبيل الصحي على اليد، حيث إن البكتيريا تموت على الجلد، وينبغي أن نرفع نسبة الوعي بين أفراد المجتمع ومن كان مريضا عليه تجنب مصافحة ومخالطة الآخرين عن قرب». أسرع الفيروسات وذكر السويد أن أسرع الفيروسات انتشارا عن طريق القبلات هو فيروس C، حسبما أكدت دراسة قامت بها الباحثة الإنجليزية شيلا شيلوك: «القبلة أصبحت سببا مباشرا في انتقال العديد من الأمراض المعدية، خاصة تلك القبلة التي تنتشر في مشاهد الود والترحيب في الحفلات وأماكن العمل اليومية». وأوضحت خلال الدراسة أن أسرع الفيروسات انتقالا هو فيروس C المسبب لمرض الكبد الوبائي، وذلك بعد عينة أجرتها الباحثة على 190 مصابا، وهو ما دعا عددا كبيرا من الأطباء في دول مختلفة للتحذير من خطورة الإكثار من قبلات التحية. مطالبة بحملة حذر رئيس قسم الأبحاث والأعشاب والسموم في مستشفى الملك فيصل التخصصي الدكتور محمد الطفيل، الآباء والأمهات من العادات الخاطئة التي تمارس على الأطفال حديثي الأولادة مشيرا إلى أن جهاز المناعة يكون ضعيفا جدا في بداية الولادة، وقد تسبب العديد من الفيروسات في وفاة الطفل التي تنقل من المصابين بأمراض كالالتهاب الرئوي وفيروس الكبد الوبائي. ودعا إلى ضرورة مراقبة المستشفيات الأهلية ومدى مستوى التعقيم من البكتيريا، التي تنقل من المرضى إلى الزائرين: «على إدارات المستشفيات منع تقبيل المواليد حتى من أقرب الأشخاص، وتتعامل مع الأطفال بحذر شديد، وفي إحدى المرات أصر قريب مريض بالسرطان، على معاودته والدخول عليه رغم إصابته بالتهاب الكبد الوبائي، فنقل إليه الفيروس الذي تسبب في وفاته». وشدد على أهمية تنظيم حملة توعوية لتثقيف المجتمع بخطورة تقبيل الأطفال: «جميع العادات الاجتماعية قد تتسبب في تشوه العلاقات إذا تم منع التقبيل عن طفلهم، مفسرين ذلك بأمور أخرى، والحل الأمثل عزل الطفل عن العالم الخارجي لمدة ثلاثة أشهر حتى تستعد مناعته لطرد الملوثات» .