قصص الاستخدام الطبي والعلمي لإنسان الدول النامية، كانت محل جدل عريض في الدوائر المهتمة بحماية حقوق الناس في تلك المناطق الضعيفة، وقصص مختلفة حول إخضاع إنسان تلك المناطق لاختبارات تجريبية محضة من أجل «العلم» نفسه والتقدم الطبي، كانت شكلا فجا من أشكال الاستكبار العلمي، كما يسميها بعض العرب. في اختبار «توسكجي».. لم يكن أداة الاختبار إنسان الإمبريالية، بل إنسان آخر يختلف لونه وطعمه ورائحته.. إنسان يتم استعماله واختبار واكتشاف الحقائق العلمية والنفسية والطبية من خلاله ليتم تقديم تلك الاكتشافات لإنسان الإمبريالية الذي يقود تلك الاختبارات ويدعمها ويسخر لها الأموال والجهد. ذلك الاختبار مات فيه كل المصابين «المراد اختبارهم» الذين يحملون مرض الزهري من السود، وهو ما يقود إلى سؤال كبير حول «التقدم الأخلاقي» في ثنايا ذلك التقدم العلمي الرهيب، وبما أن قضايا من نوع الإمبريالية الثقافية والإمبريالية الاقتصادية، حاضرة في الفكر الحديث الحر، فإن حديث الإمبريالية الأخلاقية.. كما سماها مفكر جنوب إفريقي ذات يوم، ينبغي أن تكون أشد حضورا.. اختبارات علمية كثيرة وتجارب مختلفة في أنحاء الأرض، يكون الهدف فيها وفأر التجارب إنسان الدول النامية بشكل أو بآخر، من أجل اكتشاف حقيقة علمية في مجال علمي أو طبي، أو من أجل رصد حقيقة نفسية أو فيزيائية.. وفي العصر الذي تصل فيه إشكالية المعرفة والتقدم والتقنية إلى أزهى عصورها وأشرف أيامها، تتلكأ إشكالية الأخلاق، وتنحدر إلى أن تصبح عرضة للخروقات البشعة باسم التقدم والعلم والمعرفة التقنية. ومع قتلى الحروب، ومرضى التقدم الصناعي الحربي، يصبح استهداف الإنسان بالاختبارات العلمية واستخدامه كأداة رخيصة، أمرا لا يقل بشاعة عن قتله ومحاصرته في ساحات الحروب. إن التقدم العلمي الذي قاد العلم والمعرفة الحديثة، قد تقدم له القرابين البشرية، وتصبح حربه هي الأخرى مقدسة.. وتهتك فيها حرمات الإنسان وكرامته وحريته وخياره في أن يعيش بأمان.. كل ذلك قد يكون ممارسة طبيعية من إنسان الإمبريالية ضد إنسان التجارب، إلا أن تقوم للتقدم الأخلاقي قائمة!