بدأت ظاهرة المقابر الأسرية في عدد من قرى منطقة الباحة في الاندثار والاختفاء بعد أن سادت في قرى وهجر الباحة ومحافظاتها فيما لا تزال بعض تلك المقابر واضحة المعالم حتى يومنا هذا التي تشتهر بها القرى. وتعود نشأة المقابر الأسرية إلى قرون خلت؛ حيث كانت كل أسرة تخصص موقعًا لدفن موتاها، فأصبحت تعرف بمقابر الأسرة، ويشير العديد من كبار السن إلى أن الأسباب التي فرضت إنشاء مقابر للأسرة تعود إلى انتشار الأمراض التي كانت تفتك بالأطفال وكبار السن بصورة جماعية في ظل عدم وجود الرعاية الصحية التي تحافظ على كيان الأسرة مما يفقدها كثيرا من أبنائها، وبخاصة الأطفال الذين كانوا أكثر عرضة للأمراض المعدية، كالحصبة والجدري والسل والكوليرا وغيرها من الأمراض الفتاكة، مما يتطلب سرعة دفنهم بفتح القبور القديمة ودفن جثث الأموات مع جثث أخرى؛ وتسمى (الخشف)، وتعني فتح القبر مرة أخرى للاستفادة منه.. كذلك قلة الحفارين في ذلك الوقت وعدم وجود الإمكانيات، كما أن ظروف الأجواء المناخية في المنطقة كانت سببًا في الدفن الجماعي؛ حيث تعيش قرى المرتفعات في حالة أمطار غزيرة على مدى أربعة أشهر، مع برودة الأجواء، وانتشار الضباب الكثيف، وشدة الهواء التي تستمر على مدار العام، مما يعرقل دفن الأموات الذين تكثر أعدادهم من خلال تفشي الأمراض الموسمية الشتوية المرتبط استفحالها بالبرد وآثاره الجانبية على المرضى بصورة فردية، وفي قبور مستقلة.. قلة الأراضي الزراعية وتتوزع مقابر الاسرة في العديد من الأمكان داخل القرية الواحدة وذلك من أجل الحفاظ عليها في سجل أملاكها في القرية، ولا يمكن التعدي عليها أو انتهاك حرمتها، أو دفن أموات آخرين من أسر أخرى فيها دون أخذ الإذن من أصحابها. ويؤكد كبار السن بالمنطقة ومنهم صالح الزهراني وعبدالعزيز الغامدي أن اللجو إلى القبور الجماعية المتمثلة في المقابر الأسرية أملته ضرورة المحافظة على الأراضي الزراعية التي تملكها تلك العوائل، فكان حرصهم على الدفن الجماعي بغية توفير الأراضي للزراعة، مع تثبيت الحق الأسري في المنطقة المعينة بالرجوع إلى قبور موتاهم فيها في ظل قلة الاراضي الصالحة للزراعة. قبور معروفة فيما يشير المؤرخ والباحث في الآثار قينان الزهراني أن المقابر في كثير من القرى مجمعة في منطقة واحدة فقط؛ وإن كان في بعض القرى توجد أكثر من مقبرة وذلك لقدم القرية أو كثرة سكانها، مؤكدًا أنه من النادر جدًّا أن يكون هناك بعض عوائل اتخذت لها مقبرة خاصة حول مزارعها إلا أن بعض القرى خصصت مقابر خاصة للأطفال. مضيفًا بقوله: كان أهالي القرية يعرفون العوائل التي بداخل هذه القبور بسبب دفن بعض الموتى من هذه العوائل في هذه القبور إذ يبقى القبر معروفًا وتتوارثه الأجيال، وقبل أن تحاط هذه المقابر بأسوار لصيانتها واحترام الأموات وتفرق بعض الأجيال في الأسفار، وابتعادهم عن زيارتها فقدت معرفة القبور. وأعرف كثيرًا من الشباب كانو يمرون عليها ويتذكرون موتاهم فلم تخف عليهم مقابر عوائلهم، ولم يعشعش النسيان في عقولهم، وكان كبار السن عندما يعود أحد المسافرين وسبق أن توفي أحد أفراد عائلته في غيابه يصحبونه إلى موقع القبر ليتعرف عليه..