كانت الأسواق الشعبية القديمة بمنطقة الباحة تستقطب العديد من الناس من جميع أنحاء المنطقة وخارجها، لكونها تضم المنتجات اليدوية وغير اليدوية التي لا تزال تُباع في مثل هذه الأسواق فقط، كما يتم عرض العديد من المصنوعات اليدوية الرائعة مثل الجنابي والخناجر القديمة التي كان ولا يزال يفتخر بها العديد من الرجال بالتقلد بها في الحفلات الشعبية. إلا أن بعض تلك الأسواق لا يزال محتفظا برونقه وعبق الماضي وعطر الريحان ونكهة العسل والسمن البري. واشتهرت الباحة بكثرة أسواقها الشعبية التي تمثل عدد أيام الأسبوع. وكانت هذه الأسواق عالماً اقتصادياً قائماً بذاته يعتمد أسلوب المقايضة من خلال تبادل السلع واكتفائها ذاتياً من الإنتاج المحلي السائد آنذاك من الحبوب والمواشي والمشغولات اليدوية والخزف والأسلحة والفضة وأدوات الحرث الزراعية والأعمال الخشبية والخضار والعسل والسمن وغيرها من منتجات المنطقة من حلي وملابس. كما ترسخت ذاكرة الاسواق في الاذهان، حيث كان الناس منذ القدم ولايزالون يتسابقون في الذهاب اليها لتبادل المنافع. كما امتدت رسالتها لتصبح إلى مراكز لنقل المعلومات بينهم. البدوة والأخبار كانت الاسواق قديما هي مراكز لبث الأخبار واتصال القبائل فيما بينها. وذلك بواسطة «البدوة» وهي وسيلة الاعلام والاتصال القديمة لايصال الرسائل والمعلومات لرواد السوق. و«البدوة» عبارة عن شخص من عرفاء السوق وعقاده كان يعقد في مكان مرتفع من دكاكين السوق ويبدأ بالتهليل والتكبير بصوت مرتفع حتى يتجمع حوله الناس، ويبدأ بعد ذلك بإذاعة ما يريد قوله ونقله لرواد السوق من اخبار أو شروط أو غيرها من اللوائح المنظمة لهذا السوق. يقول الشيخ ابراهيم الحسيل أحد المهتمين بتاريخ منطقة الباحة، والذي أوضح انه على مر العصور ترسخت احداث واخبار في ذاكرة الاجيال وهذه الاخبار تكون مرتبطة بمكان ما وخاصة الاسواق. وتعد تلك الأسواق التي اكتسبت شهرة مضيئة على مر العصور بمثابة نافذة لتبادل المنافع والاخبار وعقد مجالس الصلح. سبت بلجرشي وعن توقيت انعقاد السوق اشار الشيخ ابراهيم أنه على سبيل المثال سوق السبت، كالذي ينعقد في بلجرشي، يبدأ منذ صباح يوم الجمعة وينتهي بنهاية يوم السبت، وقد كان الباعة والمشترون قديما يأتون اليه سيرا على الاقدام من مواقع مختلفة. كما كان بعض تجار بلجرشي يسافرون الى ارتيريا والسودان لإحضار بعض المنتجات والبضائع من هناك. وكان لهذا السوق في الماضي عقاده، وهم أناس من أهل الحل والربط، مهمتهم حماية السوق من الاحداث حيث كان لهؤلاء الناس عيون لمراقبة المكاييل والموازين وحل جميع المشكلات التي تحدث، وايضا كان للمرأة ولا يزال دور كبير في هذا السوق، فلها الحق في البيع والشراء بل ان بعض السلع والمصنوعات كانت من اختصاصهن، فقد كانت تجارة اللحف والخرج الذي يصنع من الصوف يصنع بأيدي النساء اضافة الى «السدو»، والعديد من المصنوعات اليدوية والبيئية الأخرى..