بعد أن أحدثت ضجة استمرت أياما، خفت أمس حدة شائعة الزئبق التي أوصلت أسعار مكائن الخياطة «السنجر» إلى مبالغ خيالية تجاوزت النصف مليون ريال في بعض المناطق، ولكن في الوقت نفسه تصاعد وهم الزئبق الأحمر، ولم تختف الماكينات من الأسواق، وحراجات الخردة التي شهدت كميات كبيرة من المعروض. وإن ساهمت التحذيرات الأمنية المتوالية في إحجام كثيرين عن الشراء، وهو ما دفع المتورطين فيها إلى محاولة تصريفها بأقل الخسائر بعد أن تبين لهم أن كل مايدور عن الزئبق الأحمر مجرد وهم ومن صنع خيال المحتالين والنصابين. وأكد ل«عكاظ» عدد من مرتادي تجمعات ومواقع البيع أن المعروض من المكائن في ازدياد، ولكن لا يقابله جدية في الشراء بعكس الأيام الأولى لانطلاق الشائعة. وقال أحد المتورطين في هذه المكائن ل«عكاظ» بأنه اشترى ماكينة ب 11 ألف ريال أملا في بيعها ب 50 ألف ريال، كما يتردد في مواقع الإنترنت وبين العامة، ولكنه ومنذ يومين يحاول تصريفها، ولو بنصف السعر فلم يستطع. وقال (ف.م): بأنه سمع عن الشائعة فانطلق مسرعا لأحد الحراجات في الطائف ليشتري واحدة ب 11 ألف ريال كان قد جمعها لشراء سيارة ولكنه ومنذ يومين يحاول بيع الماكينة دون جدوى. خلافات ونزاعات وأشار آخر إلى أن الشائعة التي وصلت للقرى النائية أيضا ولدت خلافات ونزاعات بين الأقارب والعوائل التي حاول بعض أفرادها استرداد مكائن أهديت قبل سنوات طويلة، كما تنازع بعض الأشقاء على مكائن الأمهات والجدات في وضع أثار استغراب الجميع.. وقال فهد الثبيتي: إن زميله في العمل استأذن منذ مطلع الأسبوع من مقر العمل في تبوك عائدا للطائف للتأكد من صلاحية مكائن قديمة في مزرعة والده، وقطع آلاف الكيلومترات دون جدوى. ولفت أحد المواطنين إلى أن بعض السيدات تحايلن على رفيقاتهن، حيث تطلب السيدة من جارتها ماكينة من أجل خياطة ثوب ابنها بغية التأكد من نوع ماكينتها لمصادرتها أو مساومتها عليها. وقال ل«عكاظ» أمس مدير فرع وزارة التجارة في نجران صالح مصلح آل عباس: لم تأت أي توجيهات من الوزارة حيال هذه الشائعة، محذرا الجميع من الوقوع في فخ الزئبق الأحمر. واستمر عرض المكائن في حراج نجران وأسواقها الشعبية وتفاوتت أسعارها من موقع لآخر. اختراع المحتالين وفي جدة، أكد مدير الأدلة الجنائية العقيد صالح زويد، أن شائعة الزئبق الأحمر من اختراع المحتالين الأفارقة، مشيرا إلى أن المعامل الجنائية والتحاليل المخبرية أثبتت عدم وجود ما يطلق عليه الزئبق الأحمر، وقال «تم عمل اختبارات لما تم ضبطه من مواد أشار إليها أصحابها بأنها تحوي الزئبق الأحمر، وثبت أنها مجرد أصباغ وأحبار يتم وضعها في أوان زجاجية تغلق جيدا بهدف منع انبعاث رائحة الأصباغ، لرسم مزاعم في مخيلة الضحية أنها مادة ثمينة تساوي الملايين» . وأضاف العقيد زويد، أن ضعاف النفوس من المحتالين يدعون أن هذه المادة تستخدم كغذاء للجن، الذي يتولى استخراج الكنوز المفقودة والمطمورة في باطن الأرض، كما يزعمون أنها تحول الأموال إلى عشرات الأضعاف. يذكر أن منطقة مكةالمكرمة سجلت المعدل الأعلى بين حالات الاحتيال باستخدام الزئبق الأحمر المزعوم. ووصفت الدكتورة عبلة حسنين والمحاضرة في جامعة الملك عبد العزيز هذا الاندفاع بأنه يدل على عدم الوعي وقالت: أشعر أن هناك فقدانا للإدراك والوعي لدى البعض وإلا كيف يُدفع مبلغ ضخم في مكينة لا تعمل أصلا. وترى المتخصصة في علم الاجتماع الجنائي أن مسؤولية إيقاف مثل هذه الظواهر تقع على الفرد والمجتمع معا. وأضافت، كنا نعتقد في الماضي أن من يتعرض لهذه المواقف هو الجاهل الأمي، ولكننا أصبحنا نرى المتعلم والتربوي والأكاديمي يقع ضحية مثل هذه الخزعبلات. من جهة أخرى شهدت المحكمة الجزئية في الباحة أمس الأول، دعوى قضائية بسبب الزئبق الأحمر. وكان مواطن قد رفع شكوى ضد آخر متهما إياه بالحصول على ماكينة من منزل كان يسكنه في إحدى قرى المنطقة بغرض بيعها، وعندما طلب الشيخ وحيد عبد الله آل عبد القادر من المدعي حلف اليمين رفض، وتم صرف النظر عن القضية.