أ.محمد الوعيل رئيس تحرير صحيفة اليوم لقد لخصت كل هذه الجموع التي احتشدت، في بيت الله الحرام، لتوديع "نايف" حالة وطنية بامتياز، أعطت ل"نايف" ما يستحق من تقدير لرحلة عطاء جاوزت 60 عاما، قضاها في خدمة دينه، ثم مليكه ووطنه، كان فيها يرحمه الله أمير الحزم والحكمة. وبقدر ما كان مشهد الجنازة مهيباً، بقدر ما كان اعترافاً وشهادة لا تقدر بثمن، بأن العالمين العربي والإسلامي خسرا برحيل الأمير نايف بن عبد العزيز قائدا كبيرا وسياسيا محنكا، ورجلا مخلصا للدين والوطن.. قدم على مدار أربعة عقود درساً هائلاً في نظرية الأمن الإنساني بكل أبعاده وملفاته ومحاوره التي تتسق مع الأمن الوطني كخط أحمر لا ينبغي بأي حال المساس به أو الاقتراب منه. في مكةالمكرمة، وتحديداً في مقابر "العدل"، كان المشهد معبراً وملفوفاً بالحزن العميق، رغم الإيمان والتسليم بقضاء الله وقدره، كل هذه الوفود الرسمية والشعبية من مختلف أنحاء العالم، وكل الوجوه التي حرصت على مشاركة المملكة في فقيدها الكبير، إنما سجلت ل"نايف" حضوره الحي، حتى وهو بين يدي ربه، وسجلت ل"نايف" خير ختام لخير حياة.. فقد استطاع رجل الأمن الراحل، ورمزه الغالي أن يحوز على الإعجاب ميّتاً، بمثل ما ناله حيّاً. في شتى بقاع الوطن، حيث نزل الخبر كالصاعقة على جموع الشعب، لم يختلف الحال كثيراً، عاش وطننا منذ أول من أمس، وكأن في كل بيت عزاء، إذ تجاوز "نايف" حدود المنصب الرسمي، ليوجد لنفسه متسعاً في قلب كل مواطن ومواطنة، ويفسح لفكره المساحة اللائقة في أن تكون نبراساً ونموذجاً لا شكّ في أنه سيكون خالداً ودائماً. لقد نجح نايف، حتى وهو محمول على الأعناق، في أن يؤكد بروحه، أن هؤلاء الذين التفوا حول جثمانه، إنما كانوا يمزجون بين الجسد والثرى الوطني الذي يحتضنه، فيذوبان معاً في أعرق وأعمق ملحمة وفاء وتلاحم وشهادة من أجل ديمومة هذا الوطن الكبير. لقد نجح نايف، حتى ونحن نشيّعه إلى مثواه الأخير، في أن يقدم لنا وصيته الأخيرة، تحفظها الأجيال، ونستذكر معناها وقيمتها.. أن كونوا أيها السعوديون كما عهدتكم، كونوا مثالاً ونموذجاً كما تربينا وعشنا ومتنا، لا وطن بعد الوطن، ولا موت بعد الموت. رحمك الله يا "نايف" وأسبغ عليك نعيمه ورضوانه.. رحمك الله أبا سعود.. لقد أتعبت من بعدك.