ومازلت أذكر من مرحلة الطفولة مناظر لا يمكن أن تزول من الذاكرة، أهمها منظر طفلة يجرّها والدها بشعرها ويضربها بقسوة لأنها تأخّرت في إحضار الماء من الساقية له كي يشرب. تأخرت قليلاً لأنها شغلت بالحديث مع أقرانها الأطفال لدقائق معدودة. غير أن السيد الوالد لا يفهم أن ابنته طفلة شغلها أطفال فغابت قليلاً فاستحقت العقوبة.. والمشهد الآخر المناقض للأول ذلك السباق الذي كان يجري بين الفتيات الصغيرات في أراض واسعة على أطراف القرية وكان بينهن أسماء معروفة بالسرعة والقوة الجسمانية. لم يكن أحد يعترض على سباق البنات ولم يكن أحد يقول: إن الأمر مخالف للعادات والتقاليد في القريه، ولا إنه مخالف للقيم الإسلامية.. والأسبوع الماضي قرأت أن مديرة مدرسة بعثت خطابات لأولياء الأمور في مدرستها تبيّن لهم أهمية الرياضة للبنات وتطلب منهم ارتداء الطالبات ملابس الرياضة تحت ملابسهن في يوم الرياضة البدنية.. وفوجئت المديرة باعتراضات شديدة جميعها تؤكد أن رياضة البنات فيها مخالفات للتقاليد والقيم الدينية.. وبالتأكيد فإن مديرة المدرسة والعاملات أصابهن (القهر) من ردود الفعل السلبية التي لم يتوقعنها. والفتيات أجبرهن أولياء أمورهن على عدم المشاركة في النشاط الرياضي وعلى عدم ارتداء الملابس الرياضية. لكي نرفع حالة القهر والإجبار عن بناتنا لابد من قرارات حاسمة تجعل الرياضة في مدارس البنات جزءا لا يتجزأ من العملية التربوية لإعداد جيل خال من العلل والأمراض. ولو ترك الأمر لأهواء ورغبات أولياء الأمور فإن ذلك سيؤدي إلى ظهور أجيال مترهلة.