دغدغة مشاعر الناس، والعزف على ضرورة تكثيف حاجياتهم الآنية، وتشجيعهم على الهدر والتبذير، وتحميل الدولة مسؤولية توفير متطلباتهم الاستهلاكية مهما كانت كلفتها وكيفما كان استخدامها، ومن دون الحديث عن الخطأ الآني ولا كيف سيكون مستقبل تلك الخدمات ومستقبلهم معها كل هذا يستدر عواطف الجمهور، وبالتالي تتصاعد جماهيرية من يفعل ذلك كتابة أو قولاً بينهم باعتباره نصيرهم وداعمهم، وأدرى بشؤونهم وشجونهم، والحقيقة -في نظري- غير ذلك تماماً. خذ مثلاً: البنزين الرخيص جداً الذي يستفيد منه المواطن فقيراً ومتوسط دخل وغنياً، وسواءً يملك سيارة واحدة أو عشر سيارات، وسواءً كانت سياراته للاستخدام الشخصي أو للاستثمار، وقس على ذلك الماء، الذي يستفيد منه بالتساوي صاحب المسابح والحدائق في قصره أو فيلته، وذاك الذي يبحث عما يكفيه شراباً واغتسالاً. ومثل ذلك هذه المواد الغذائية المدعومة المتاحة للجميع بالتساوي، فضلا عن أن المقيمين يتساوون مع المواطنين في كل ما تقدم، فهل هذا الذي يحدث في هذه المواد والسلع المتاحة للجميع يستحق المطالبة باستمراره، واستنكار كل صوت يدعو إلى إعادة النظر فيه جذرياً؟ ماذا لو تم إيقاف الدعم عن كل هذه المواد والسلع نهائياً من الآن، وتركت لتباع بسعرها الحقيقي، وتم توجيه مليارات الدعم إلى جيوب محتاجيها من المواطنين وفق خطة -أظن من السهل إعدادها- منظمة يمكن اقتباسها من إحدى الدول المتقدمة مثل بريطانيا مثلاً أو غيرها، وبصورة مقننة ودقيقة، تعلم الناس معنى الترشيد الحقيقي، وتحميهم من هاوية الفقر ومذلة الحاجة بصورة دائمة، أكرر دائمة، وعند دائمة هذه، سأتوقف لأقول بصريح العبارة إن مئات المليارات التي تدفعها الدولة الآن لدعم البنزين وبقية المحروقات، والمياه والمواد الغذائية، وغيرها لن تستمر طويلاً، فالحكومة تعتمد في ذلك الإنفاق على مبيعات السلعة الوحيدة المعروفة «البترول»، وهي في سوق متقلبة الظروف والمزاج، ومتى اتجهت هذه الظروف وذاك المزاج إلى جانبها السلبي، فإن الحكومة بطبيعة الحال ستعجز عن توفير مليارات الدعم، وستضطر -حيث لا حل- إلى إيقاف دعم هذه السلع والمواد، وستتركها لظروف السوق، وحينئذ ماذا نفعل أمام هول المفاجأة وقسوة الحقيقة؟ ليس لدي إجابة، لكنني أتصور سائلاً يقول، لو طبقت الخطة التي نقترحها لتوجيه الدعم إلى محتاجيه من الآن، من أين نوفره ليستمر بصورة دائمة كما تزعم طالما أن منبع الإنفاق واحد وهو «البترول»؟ وهو سؤال منطقي ووجيه سأجتهد في تسليط الضوء عليه غداً. المهم الآن أن نفكر ونتفهم ماذا يعني الدعم الحاصل حالياً، وما دوره في إهدار الثروة وتشجيع التبذير.