منذ فترة ضبطت سلطات الحدود السعودية شاحنات تهرب \"البنزين\" إلى دول مجاورة، حيث إن تهريب هذه \"السلعة\" يستحق المغامرة، نظراً لرخصها محلياً، وغلائها خارجياً، ويوم الجمعة الماضي نشرت \"الوطن\" عن استيراد 26 ألف برميل يومياً من البنزين خلال شهر أكتوبر الحالي، بسبب ارتفاع الاستهلاك وأسباب أخرى. بعض الذين علقوا على خبر الاستيراد في موقع الوطن الإلكتروني قالوا متحسرين إن هذا تمهيد لرفع أسعار \"البنزين\"، وهو توجس في محله، فالسياق العام جعل الناس يتصورون أن الرفاه الحقيقي يتمثل في الحصول على السلع الأساسية بأقل من تكلفتها الطبيعية، ويفهمون بل ويقتنعون أن ذلك يخدم أول ما يخدم الفقير أو ذا الدخل المتواضع، وهذا المفهوم تكرس عبر سنوات وعقود من قيام الدولة بتحمل الفرق بين تكلفة إنتاج بعض السلع الرئيسة وبين قيمة بيعها للمستهلك. ولو تأملنا في الأمر لوجدنا أن هذا الفقير أو المحتاج هو أقل المستهلكين استفادة من هذا الدعم، لأن استهلاكه بسيط جداً، وهو أكبر المتضررين فيما لو انقطعت لأنه لا يستطيع توفير البديل. بينما القادر أو الغني هو المستفيد الأكبر من الرخص، والمتضرر الأقل من الانقطاع، فإذا أضفنا لهذا أن الدولة مسؤولة عن مساعدة الفقير والمحتاج، وأن هناك آليات كثيرة لتحقيق هذه المساعدة غير ما يحدث من دعم لسلع يستفيد منها جميع الناس، فإننا حتماً سنجد صورة أخرى للرفاه العام غير هذا الدعم. هناك أرقام مليارية فلكية تعد بمئات المليارات تصرفها الدولة لردم هذه الهوه بين تكلفة إنتاج \"البنزين، والماء، والكهرباء\" وبين قيمة بيعها، فماذا لو وجهت هذه المليارات إلى التعليم والصحة والخدمات البلدية، والضمان الاجتماعي، وعندما نقول الضمان الاجتماعي فإننا نعني الكناية الشاملة لكل صور الحاجة من سكن وغذاء واستهلاك خدمات. قارن بين صورة الرفاه العام بتعليم متطور وخدمات صحية جيدة وخدمات بلدية راقية، وضمان اجتماعي كاف، وبين صورته برسوم رمزية متواضعة لبعض الخدمات الرئيسة مثل البنزين، أيهما أفضل وأكمل؟ قد يقول قائل، نريد كل هذا وهو مطمح مشروع، لكن لنبدأ بالأهم ثم المهم إلى أن يتحقق الطموح.