تخبرنا أحداث التاريخ على مر العصور أن من المستحيل التغلب على إرادة الشعوب الحرة ، ولو حدث ذلك في غفلة من الزمان فمحال أن يستمر الحال ، فالشعب قد يصبر ولكن حين ، امتثال لقول المولى عز وجل ((والصابرين في السراء والضراء وحين اليأس)). وذلك هو منتهى التقوى والإيمان. والشعب الحر الأبي يصبر وإنما على يقين أن ربه لن ينساه لأن السراء والضراء هما اللذان يشدان من عضده كلما صبر ، والأمة الحية ليست أمة عاقراً وإنما هي دائماً على موعد مع أبنائها البررة ، وهذا مايحدثنا التاريخ عنه. فعندما أقتحم الملك الشاب ذي الخامسة عشرة من عمره قصر (المصمك) الحصين مع رجاله الستين كان على إدراك بأنه يقتحم ليُحيِ شعبه وبلاده حياة ملؤها الكرامه والعزة والسؤدد. كانت الجزيرة العربية مسرحاً لمتناقضات جمه ، بين إيمان راسخ في قلوب الناس وبين ضلالً موغل في السوء. كانت إقتصادياً فقر وجوع وظمأ ومرض وصحياً أمراض مزمنة وأدوية شعبيه بدائيه وأمنياً حروب قبليه وقطاع طرق ومشاحنات وخوف وعصابات جماعية تبطش ولاترحم وسياسياً بلاد متقطعة الأوصال متحاربة الكيانات القبلية لا دولة مهيبه وسلطان موحد ، وثقافياً وحدات تعليمية بدائية وأميات كثيرة فأمية كتابية وأمية تعليمية باختصار : كل الأوضاع حزينه فقد كان كل فرد وكل جماعة وكل قبيلة تبحث عن خلاص ومخلٌص ويلتفت الكل يمنة ويسرة ولا يرى إلا سراباً يرُى ولا يجد حقيقة تلمس ، وكان لابد للقيد أن ينكسر ولابد لليل أن يتجلى ولابد للفجر أن ينبثق فمحال دوام الحال ، ولابد لفارس أو فرسان يمتطون صهوة الجواد. وكان الشعب الطيب الصبور على موعد مع قدرة ، ذلك الفجر الذي بزغ وتمخض عنه جبل أشم وصقر فتاك ورحيم في آن واحد. ففي أول الأسبوع الأخير من الشهر المبارك 1319لسنةه(20 رمضان) ردد الدهر صداه بصوت جهوري بمقدم فارس مقدام وبمعيته رجاله الستين فارساً ، وكان يتقدمهم صقر الجزيرة العربية الملك الراحل عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود ، وبخطة هجوم تدل على الذكاء وحسن التدبير إستولى على الرياض بعد أن تمكن من قصر (المصمك) وراح يقاتل حصون الضلالات وقلوع الإفك التي في الصدور ، وفي ذات الوقت بدا يطمئن القوم قائلاً : مسألتان لا يمكن أن تقبلهما ولو قاتلنا أهل الأرض حتى لا يبقى فيها أحد وهما ((التغيير في دين الله ولو مثقال خردله ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فالكتاب والسنة لا تحيد عنهما أبداً)). والثانية ((أن أمر يلحق استقلالنا أو شرف بلادنا ، فهذا مستحيل أن تقبله ولو تكلم من تكلم وقال من قال)). وهكذا سكنت الطمأنينة في قلوب الناس، وهكذا سارت مسيرة الجهاد جنباً بجنب مع مسار البناء والنماء وأرست القواعد : قواعد الإيمان وقواعد التنمية وقواعد الفكر. وبعد ميلاد مملكة العلم والإيمان والعزة والاعتداد مضت الملكة العربية السعودية إلى أهدافها على أسس ثابتة وحديثه ، ويرفل أهلها في ثوب النماء والرخاء وبمرور كل يوم يشعر الناس إلى أي درجة كان ذلك اليوم العظيم وإلى أي مدى ستظل تجريه ركب الخير فريدة وإلى أي مدى ينعم المواطن بنهضة رائعة تحت مظلة الأمن والأمان والمستقبل الوضاء. وما سردناه هو جزء يسير ويسير من ملحمة هذا الوطن الغالي وذكرى تأسيسه العطرة وإن ما يزيدنا اطمئنانا على صلابة الأساس ومتانة البناء إن مازال على رأس المسيرة قائد محنك حكيم هو مليكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وعضيده المكين الأمين صاحب الرأي السديد ولي العهد الأمين وإخوانهما وأبنائهما البررة الكرام . -------------- مدير شرطة منطقة الباحة.