ما أن يقترب حلول شهر شعبان الذي تجتمع فيه اللجان المشكلة بمختلف مناطق المملكة لبحث وتقرير المشمولين من السجناء في الحق العام بعفو رمضان الكريم ، حتى تهل علي الاتصالات للاستفسار عن إمكانية شمول هذا السجين أو ذاك بالعفو الكريم. فهذه أم مكلومة على ولدها تقول : ليته يرجع إلينا فتقر عيني برؤيته بعد أن استغل جلساء السوء الفراغ والبطالة التي يعانيها فبات لا يفارقهم للحظة حتى تم القبض عليه وبحوزته حبوب كبتاجون المخدرة. فيما يقول آخر : أخي الكبير الذي يصرف على العائلة ويتحمل أعباءها بعد وفاة والدنا أوصلته الديون والحاجة المادية إلى أن يمتهن السواقة فيقوم بنقل الركاب من مدينة لمدينة وهو الآن سجين بتهمة نقل مجهولي الهوية. وهناك امرأة تقول بكل حرقة : بسبب ضغوطات الحياة والالتزامات المادية المتراكمة على زوجي أصبح عصبي المزاج وقد أدى ذلك إلى دخوله السجن بتهمة الاعتداء على أحد الأشخاص وإصابته إصابات متفرقة وبليغة ليتركني وحيدة أواجه مصاعب الحياة وأعباءها الثقيلة!؟. إنني أتعاطف كثيرا مع حالة وظروف ذوي السجين، فهم لا ذنب لهم، وغاية مرادهم عودته إليهم ليلتم شمل الأسرة من جديد، وليكون عونا وسندا لهم في مواجهة أعباء الحياة المتعددة والثقيلة ، لهذا كنت أحاول من خلال ردودي طمأنة كل منهم ومنحه الأمل في عودة من يحب ، فتجدني أجتهد في الإجابة بناء على خبرتي كمحامٍ ، وقياسا بالسوابق المماثلة لكل حالة .. لهذا قلت للأم التي تسأل عن فلذة كبدها : قد يشمله العفو إذا لم يثبت بحقه سوى الحيازة المجردة على أن يتم إنفاذ ما حان وقته من الجلد التعزيري ، فيما أجبت من يسأل عن أخيه بأنه : قد يشمله العفو إذا لم يكن يعلم بأن من ينقلهم مجهولو الهوية أو متسللون ولم يتم القبض عليه وهو يسلك طرقا برية أو فرعية لغرض التهرب من الجهات الأمنية. أما من تساءلت عن زوجها فقلت لها : قد يشمله العفو متى ثبت أن اعتداءه على ما دون النفس لم يصاحبه إطلاق نار ، حينها كانت تعقيباتهم جميعا تتوحد في مفهوم عبارة واحدة لا تخرج عن (ربنا يسمع منك .. ويطلقون سراحهم).. وكل ما أعرفه عن هذه القواعد أن هذا العفو ليس عاما بل هناك قضايا عديدة مستثناة وفي مقدمتها (القضايا الكبيرة) وهو ما يمثل حماية أكيدة للوطن والمجتمع إلا أن ما يتمناه البعض أن يشمل العفو الصادر من اللجنة ذلك السجين الذي ارتكب فعلته بالخطأ وهو يركض وراء توفير لقمة العيش له ولعائلته ، وبذلك يستفيد من هذا العفو الكريم الذي أمر به ولي الأمر سعيا منه لكسب الأجر والمثوبة وحتى يمنح السجين فرصة أخرى ليستفيد من خطئه ويصلح من حاله.