كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إمكانية شن غارات جوية لضرب منشآت إيران النووية للحيلولة دون امتلاكها للسلاح النووي الذي تعمل -كما يبدو- على حيازته ، متذرعة بإسرائيل التي هي الأخرى في حوزتها عدد كبير من الرؤوس النووية .. وترفض الانضمام لمعاهدة منع انتشار السلاح النووي في العالم .. لما يترتب على العضوية من الضوابط التي ترفض إسرائيل أن تشملها حتى تظل خياراتها العبثية مفتوحة .. وكل ذلك بتأييد مطلق من سيدتها الكبرى الولاياتالمتحدةالأمريكية. الحوار ظهر للسطح بضغط من نوايا إسرائيل ، وتصعيد التصريحات من قبل إيران ، وردود لفعل من قِبل دول عربية وغيرها من الدول التي تخشى أن تصبح نظرية الفوضى من حولها وداخلها واقعًا حقيقيًّا في القريب العاجل. من التجارب الماضية أن بعض الدول تلجأ لاختلاق الأزمات الخارجية لتخفيف الضغط الداخلي ، وتوجيه الأنظار نحو عدو خارجي تلتم ضده كل القوى الداخلية ، ويغير الحوار من التركيز على مستحقات داخلية مثل إيجاد الوظائف ، ورفع مستوى المعيشة إلى وهم خارجي ، ينبغي التصدّي له لتقوية النفوذ ، ولخلق فرص جديدة عن طريق الهيمنة. في حالة إيران وإسرائيل هناك عامل مشترك وهو إضعاف الجانب العربي حتى يصفو الجو لكليهما لتحقيق طموحاتهما بشكل فردي أو معًا .. إسرائيل تعتقد أن السلاح النووي الوسيلة الوحيدة لاستمرار سياستها التوسعية ، وفرض وجودها في المنطقة ، وقبولها بالقوة رغم إرادة الأمة العربية .. وترى في امتلاك القدرات النووية ضمانًا ، وصمام أمان لوجودها في المنطقة. إيران دولة كبيرة في المنطقة من حيث السكان والجغرافيا ، ولديها موارد طبيعية هائلة ، وتسعى لتحويلها إلى واقع إقليمي يُمكّنها من الهيمنة على دول الجوار ، ويخلق لها مكانة بارزة بين القوى العظمى عندما تثبت أنها قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها في القرارات الهامة التي تمس أمن واستقرار المنطقة حسب منظورها الجيو إستراتيجي. الدول الكبرى تتابع بحذر وتربص ما تقوم به إيران ، وتخشى أن تصبح قوة نووية ، الأمر الذي يحرمها من النفوذ المطلق في المنطقة ، ويحجم الطموح الإسرائيلي .. رأس حرب سياسة أمريكا في المنطقة. كما أن لها مصالح إستراتيجية مثل ضرورة تدفق الطاقة البترولية والغازية التي يعتمد عليها المعسكر الغربي الموالي لإسرائيل ، ولا يستطيع العيش بدونها .. كما أنها تخشى أيضًا من مغامرة إسرئيلية منفردة تقحم أمريكا في صراع إقليمي قد يتحول إلى حرب عالمية ثالثة تنجرّ إليها روسيا والصين لحماية مصالحها في المنطقة أيضًا. الجانب العربي مع الأسف لا يملك قدرة التصدّي لإسرائيل ولا لإيران النووية .. والملجأ الوحيد الاعتماد على عون أوروبا وأمريكا. إن التراخي وغياب التخطيط الإستراتيجي بعيد المدى في المنطقة .. أدّى إلى الوضع الراهن الذي مكن الخصوم من التحاور حول مستقبل المنطقة من فوق رؤوس أهلها ، وإبقائهم خارج معادلة صنع القرار .. ووضع الدول العربية أمام خيارين لا ثالث لهما .. إمّا ضد النووي الإيراني .. أو القبول بواقع يفرض هيمنة إسرائيلية من جانب بقدرات نووية .. وهيمنة إيرانية من الجانب الآخر بثقل سكاني ، وحيز جغرافي وقدرات نووية أيضًا. المحصلة المنطقية من وراء هذه الاحتمالات أن أي حرب قادمة ستُوثِّر على مشاريع التنمية في المنطقة بكاملها ، وستصعد من أثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي تعيشها أمريكا وأوروبا ، ويخلق جوًّا من الفوضى القذرة على مستوى العالم لا أحد يستطيع أن يتنبأ بنتائجها ، ولا أحد يعلم عقباها. بخلاف ما ذهبت إليه السيدة (كونداليزا رايس) وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش الابن عندما أطلقت مسمى (الفوضى الخلاقة) على أطروحاتها عن إستراتيجية أمريكا في العالم والشرق الأوسط على وجه الخصوص .. فقد اخترت هنا أن أسميها الفوضى القذرة ؛ لأنها كذلك بدون تحفظ. التهديدات بالحرب قد تجر إلى الحرب ، والحديث عن الفوضى قد لا يحول دون حدوثها. والمتفرج لا يستطيع منع هذا ولا ذاك!