الظلم خطيئة كبيرة ، وجريمة شنيعة ، تقع من نفسية مريضة ، وعقلية خبيثة ؛ استحوذ عليها الشيطان ؛ فأعمى بصرها عن الخير والنور ، وأضاع بصيرتها عن الحق والصواب ، والموت والحساب. يقع الظلم في صور عديدة ، وأشكال كثيرة ، فالشرك بالله تعالى ظلم عظيم : إن الشرك لظلم عظيم ، والتساهل في تطبيق شريعة الله تعالى ظلم كبير : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ، وانتهاك المحرمات ، وترك الواجبات ؛ ظلم للنفس جسيم : فلا تظلموا فيهن أنفسكم. ومن صوره : سلب الحقوق ، والبطش بالغير ، والتعدي على الأعراض ، والسطو على الأموال ، بل ومثل ذلك أخذ الرشوة ، وشهادة الزور ، والغش والخداع ، ومخالفة القول والعهد والوعد. وتجد الظلم لدى الحاكم الذي ضيع ثروات بلاده ، وسحق قدرات أبنائه ، كما تشاهده لدى القاضي الذي يجور في إصدار الأحكام ، ولدى المسؤول الذي احتل المنصب ، واغتنى من المكان. ومن الظلم : الشكاوى الكيدية ، أو اتهام المسؤول بما ليس فيه ، وكذلك التهجم على الآخرين بالشائعات المغرضة ، والكتابات الجائرة الموجودة على الشبكة العنكبوتية. وأظلم من الظالم ؛ من يساعد الظالم على ظلمه ، أو يفرح بوجوده وجهوده ، أو يشيد بأعماله وصفاته. فإذا أردت معرفة الظالم وعلاماته ؛ فإنك تراه شاذاً في أفعاله ، جانحاً في تصرفاته ، يحتال ويكابر ، يقرص ويقرض ، يلسع ويلدغ ، ويظن أنه الوحيد الأوحد ، والقوي الأعظم. الظالم ليس في وجدانه خوف من الحي القيوم ، فلا رقيب ولا ضمير ، ولا عقل منير ، ولا فكر بصير. وليس عنده احترام لقانون ، ولا إيمان بحساب ولا عقاب ، مخدوع في نفسه ، منبوذ من غيره ، لا يعرف الندم ، ولا يجيد الاعتذار ، ولا يؤمن برد المظالم ، ولا بتصحيح الأخطاء. والظالم لا يعلم أن آثاره سيئة ، وعاقبته وخيمة ، ونهايته أليمة ، فالدعوات المرفوعة سوف تلاحقه في حياته ، وتستمر بعد مماته ، دعوة المظلوم لا ترد -وإن كان كافراً أو فاجراً- فدعوته ليس بينها وبين الله حجاب ، والذي يرفعها إليه فوق الغمام ، ويقول لها : {وعزتي وجلالي ، لأنصرنك ولو بعد حين} ، هاهي المواعظ أمامنا قائمة ؛ حكام ظلمة ، كان الكل يتذمر منهم ، ويدعو عليهم ، فكانت الخاتمة ذليلة ، والعاقبة شنيعة. وأما في الآخرة ؛ فسيقتص المظلوم من الظالم ، حتى الحيوانات يقتص لبعضها من بعض ، فالذي يعتدي على غيره بالضرب ، يقتص منه بالضرب ، ففي الحديث الصحيح : (من ضرب بسوط ظلماً ؛ اقتص منه يوم القيامة) ، فإذا كانت عند العبد مظالم للعباد ؛ فإنهم يأخذون من حسناته بقدر ما ظلمهم ، وإن لم يكن له حسنات ، أو فنيت حسناته ، فإنه يؤخذ من سيئاتهم ؛ فتطرح عليه ، ثم يطرح في النار. فعلى الظالم ألا يغترّ بماله ولسانه ، وقوته وسلطانه ، فإن فوقه العزيز الجبار المنتقم ، الذي لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه ، فليرجع إليه ، ويطلب الرحمة والمغفرة ، والستر والنجاة ، ثم يسارع بإبراء الذمة ، ورد المظالم إلى أهلها ، وطلب المصالحة والمسامحة منهم ، وقبل أن يأتي يوم الجزاء ، وميعاد القصاص : ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا . لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا.