بعد 6 أفلام عملها في 30 سنة حتى شاب شعر رأسه ، عاد المخرج العبقري داود عبدالسيد بفيلمه السابع (رسائل البحر). 6 أفلام قدمها داود عبد السيّد ، هي 6 أفلام في قائمة أهم 100 فيلم سينمائي في كل تاريخ السينما العربية ، وفيلمه السابع دخل ضمن المئة. روعة فيلم رسائل البحر ، في أنه سهل وبسيط لكنه صعب وعميق ، ومع هذا فهو ممتع للناقد الفني وللمشاهد العادي ، وهذه معادلة لا يحققها إلاّ مخرج محترف وغير عادي مثل عبد السيّد. الفيلم قصة حب بين فتاة مسيحية من الطبقة الوسطى ، وشاب مسلم فقير ويعاني من تأتأة في النطق ، وكعادة أفلام داود عبد السيّد ، يتحرّك الفيلم ويدور في مناطق الذات الإنسانية حتى في ناس يراهم الآخرون ليسوا ناسا ، مثل الفتاة المسيحية تلك ، التي تعمل في مهنة غير شريفة. أيضا ، وكعادة أفلام عبد السيّد ، يتحرّك الفيلم في دائرة ثانية ، هي دائرة التعايش بين الديانات ، إذ إن الشاب مسلم والفتاة التي يحبها مسيحية ، وكعادة فن عبد السيّد ، كان الفيلم يطرح أسئلة دون أن يجيب ، وهذا هو دور الفن الحقيقي ، فالفن ليس تقريرا إخباريا ، ولا تحليلا ، ولا ندوة لإيجاد الحلول. شخصيات فيلم رسائل البحر ، هي الشخصيات التي يطرحها داود في كل أعماله ، وهي الشخصيات المركبة ، نفسيا أو اجتماعيا أو دينيا أو فكريا ، فهي شخصيات غير منمّطة بنمط واحد ، ولا مثالية ، ولا جامدة الدم واللحم والإحساس ، فهي تُذنب وهي تتوب ، وهي سويّة وهي غير سويّة في ذات الوقت ، وهي مفهومة وغير مفهومة ، وهي حقيقية وهي فانتازيّة. رسائل كثيرة يريد داود عبد السيّد إيصالها إلينا ، في فيلمه الرائع رسائل البحر ، وكل أفلام داود أفلام رسائل ، لا تصل كاملة للناس وتبقى حديث الناس ، وهذا هو الفن الخلّاق الذي لا تنتهي أسئلته ، ولا ينتهي الجدل حوله. فيلم رسائل البحر لداود عبد السيّد ، هو : رسائل البحر الواسع المثقّف اللانهائي الذي اسمه داود عبد السيّد.