كنا نتوقع أن زراعة الزيتون في منطقة الباحة ضَرْبٌ من المستحيل ؛ لأننا كنا نشاهد آلاف الأشجار من غابات الزيتون البري ، التي تملأ سفوح الجبال ، وهي أشجار تُنتج ثماراً من الزيتون غير المستفاد منه ؛ نظراً لشدة مرارته وسوء طعمه وصِغَر حجم حباته .. وهكذا حفظنا الدروس في مادة الجغرافيا بأن الزيتون يُنتج فقط في الدول ذات مناخ البحر المتوسط ، وأن تلك البيئة هي المناسبة لزراعته ، ورسَّخ معلِّم الاجتماعيات تلك المعلومات في أذهاننا ، وحفظناها عن ظَهْر قلب ، وامتلأت موائد منازلنا بأصناف من الزيتون الفلسطيني ، اليوناني ، المصري ، وغيرها .. إلا أن بعض (الطليعيين) كسروا هذه النظرية الجغرافية التي لم تتمكن وزارة الزراعة من فك خيوطها ، بل رسَّخت مفاهيم أكثر سوءاً ؛ حيث ملأت سفوح الجبال بأشجار لا تتناسب مع البيئة الطبيعية والجغرافية لمنطقة الباحة ، وشكَّلت غابات من أشجار الكينا والصنوبر التي استمرت عقوداً من الزمن تمتص المياه السطحية ، واكتشفنا فيما بعد أن هذه الأشجار آفة حقيقية ، ليس على البيئة فقط بل حتى على المباني ؛ حيث أحدثت التكسرات والتصدعات على الأرصفة وبعض أسوار المباني المدرسية ، عندها شنَّت وزارة التربية والتعليم حملة بضرورة اجتثاث هذه الأشجار وإبعاد خطرها. نعود مرة ثانية لتلك النظرية التي ترسَّخت في أذهاننا ونحن ندرس على مقاعد الدراسة ، وهي أن الزيتون منتج يخصُّ الدول الواقعة ضمن نطاق مناخ البحر المتوسط ، استمرت مفاهيمنا مغلقة ، وعقولنا مقفلة ، حتى أقدم بعض الأشخاص على تجريب زراعة الزيتون ؛ فكانت المفاجأة أن أنتجوا ثماراً يفوق شكلها وطعمها وحجمها تلك المستورَدَة من الخارج. فرع وزارة الزراعة في الباحة فقط يجيد الفُرْجة والمشاهَدَة والتزام الصمت ، وكأن الأمر لا يعنيه لا من قريب أو بعيد!! .. مكتفياً بالاستماع إلى ردود الفعل من الناس. إذاً نُسفت تلك النظرية الجغرافية ، دُحضت عدم إمكانية إنتاج زيتوني باحي متميز .. وللقارئ أن يتصور أن بعض المزارعين بدأ الإنتاج المحدود للزيتون ، وعرض زيته في بعض الأسواق بقيمة تفوق المستورَدَ .. وتم شراؤه ... بل أصبح يُصدَّر خصيصاً للأُسَر التي تدرك جودته. نستدرك ونقول : إذا كانت المنطقة الجنوبية ، بما فيها منطقة الباحة ، ناجحة جداً في زراعة الزيتون فلماذا لا تتم زراعة سفوح الجبال بهذه الأشجار ذات القيمة الاقتصادية والغذائية؟ لتصبح الأُسَر السعودية والخليجية تستهل موائدها الصباحية بالزيتون الجنوبي المزروع محلياً ، وننشئ مصانع صغيرة مكمِّلة للزراعة ؛ للحفظ واستخلاص الزيت وغيرهما.. ذات صباح مكثتُ أنظرُ لسفح جبل مليء بأشجار يابسة هي من الأشجار المستورَدَة مشكِّلة نَسْجاً على أديم الباحة ، في الوقت الذي تنتظر فيه الأرض استزراع ما هو أنفع وأجود وأجدى.. وزارة الزراعة .. من فضلكِ ساعديني في تقديم صحن مليء بالزيتون الباحي ، أكون بعدها شاكراً جهودك اليانعة. فقط أرشديني بوصفي مزارعاً!! ----------------- عضو المجلس العالمي للصحافة