الورق! وما أدراك ما الورق! هذا الكشف العجيب الذي يعادل حين ظهوره ثورة الإنترنت اليوم. فعبره حُفظت المعرفة ، ثم وُثقّت ، ثم انتقلت من يدٍ إلى يد ، ومن بلدٍ إلى بلد ، ومن قلمٍ إلى عقل ، ومن عقل إلى تطبيق ، ومن تطبيق إلى رفاهية للإنسان. ولأن الاستهلاك الورقي في العصر الحديث ضخم وهائل ، فقد خُصصت في دول كثيرة غابات شاسعة لتحصد في نهاية كل موسم سنوي المادة الخام لهذا الورق العجيب ، ثم يُعاد تأهيل هذه الغابات مرة أخرى لموسم قادم ، أو للذي يليه. ومع ذلك يظل الاستهلاك عاليًا ؛ ممّا يعرّض مساحات كبيرة من هذه الغابات للتصحّر والتدمير بفعل فاعل القراءة ، والكتابة ، والتدوين. وحمدًا لله فقد طاولت ثورة التقنية الحديثة آليات توصيل المعرفة ، وتبادلها ، وحفظها ، إذ يحفظ خرطوش (يو. إس. بي) صغير ما تحفظه (كراتين) مكدّسة من الورق. وامتد الوعي بأهمية تقليص استخدام الورق (رحمةً بالغابات ، ورفقًا بالطبيعة) إلى مجالات عدّة ، فانتشر الكتاب الرقمي ، ونافس النسخة الورقية التقليدية ، حتى على مستوى التعليم بشقيه العام والجامعي، فأصبحت المعلومة مخزونة في جهاز الكمبيوتر ، يُستفاد منها بسهولة ويسر في كل حين ، ووُضعت أنظمة حاسوبية متطورة تدير التعليم والتعلّم الرقمي الذي أخذ أشكالاً عدّة ، وقفز قفزات كبيرة مشهودة. ومن أجمل ما قرأت عن امتداد هذا الوعي حتى وصل إلى صناعة الطيران متجاوزًا التذاكر الإليكترونية ، وبطاقات صعود الطائرة المسجلة على شاشة (الجوال) ، إلى حمولة الطائرة من الأوراق والمجلات والمطويات والصحف وغيرها. ومن الأرقام المبهرة التي أشارت إليها دراسة علمية حديثة نتيجة تؤكد أن التخلّص من 11,5 كيلوجرام من الورق المحمول داخل الطائرة قد يوفر على الخطوط 440 ألف دولار سنويًّا. ولك أن تتصوّر مقدار الوفر الذي ينتج عن طائرة جامبو تحمل عادة قرابة 400 كيلوجرام من المنتجات الورقية المتنوّعة. ولذلك تسعى بعض الشركات إلى توفير المعلومة المقروءة ورقيًّا ، إلى مقروءة إليكترونيًّا على شاشة الترفيه المتاحة على الطائرة. تفكير بعيد يهدف لحماية الشجر الأخضر ، والاستغناء عن تقليد شائع اسمه الملف العلاقي الأخضر!!