هكذا أراد الله لنا أن نعيش مرحلة جديدة ، بعد فترة تقهقر ، وتراجع ، وتأخر في سلم النهضة والعدالة والحرية والتنمية. • نحن في مرحلة جديدة ، فيها تسهلت وسائل الاتصال ، فلا مجال للتعذر بعدم التواصل مع الأقرباء والأرحام ، ولو بالرسائل ، والكلمات الجميلة المبشرة ، أو المخففة وقت الأزمات والابتلاءات. • نحن في مرحلة جديدة ، صار من السهل قراءة أهم الاحداث ، وأسرع التطورات ، فلا مجال لسطحية الأفكار ، وبساطة التحليلات ، والشرود عن الواقع ، والتقوقع حول المصطلحات ، فالقراءة تتطلب مهارات جديدة ، واتجاها صوب المضمون ، والعمق ، والاشتغال بالقضايا الأهم. • نحن في مرحلة جديدة ، غزت فيها الأفكار كل بيت ، ودخلت البرامج والأفلام والكليبات كل الساحات ، فلا مجال إلا بإيجاد البديل ، والانفتاح الهادف ، لتحقيق التوازن وحفظ الأجيال. • نحن في مرحلة جديدة ، ملكت فيها التيارات الفكرية ، والاتجاهات الدعوية ، والأنماط الثقافية ، وسائل التأثير المتاحة بسهولة ولكل أحد ، فلا مجال للتضييق على أحد ، ولا سبيل لإلغاء جهة ، ولا صار بالإمكان تحييد رأي أو فكرة أو مصدر معرفي ، فالفضاء مفتوح للسابحين بالفكر والرأي. • نحن في مرحلة جديدة ، نمت فيها شركات ومؤسسات ، وتطورت فيها مجموعات ولجان ، فلامكان في القضايا الكبرى إلا للتعاون ، والتشابك ، في الرؤى والأهداف ، والاشتراك في الثمرات. مع الاستفادة من الطاقات في مشاريع العمل التطوعي المتنوع القائم على أسس العمل الصحيح. • نحن في مرحلة جديدة ، جُمعت فيها كتب الأئمة السابقين واللاحقين ، وتحقيقات المتقدمين والمتأخرين ، كل ذلك في سيديهات ممغنطة ، وفلاشات بحجم أصبع اليد ، فلا مجال للعجلة في الأحكام ، والتسرع في الآراء ، والانتقاء للفتاوى المحددة ، بل المجال للتوسع المعرفي ، والمقارنة بالمنهجية. • نحن في مرحلة جديدة ، فيها وسائل الإعلام الجديد ، في الفيس بوك ، وتويتر ، ويوتيوب ، فلا مجال لاحتكار الأصوات ، وتكميم الأفواه ، وتهميش الاعتراضات ، إنه عصر القوانين العامة ، التي تسع الجميع شمولاً وتطبيقاً ، وتراعى فيها المطالب وتوجهات الأفراد. • نحن في مرحلة جديدة ، قالت فيها الشعوب العربية كلمتها في ثوراتها ضد العسف والظلم والسجن والضرب ، فلا مجال امام الانظمة للتفاهم بلغة القمع والتهديد بالقضبان ، وخطب الزجر والنهي ، والويل والثبور ، بل بالتكاتف مع الشعوب ، والتسلح بالقيم الاخلاقية التي تحفظ حقوق الناس ، وتسمع بإنصات لهمومهم ، وتستجيب بلا تلكؤ لمصالحهم كبشر ومواطنين. • نحن في مرحلة جديدة ، لم تترك شركات السياحة للمسافرين سبيلاً لإغرائهم بالتنقل شرقاً وغرباً ، فلا مجال لإعادة اسطوانة نحن البلد الأفضل ، وشركاتنا هي الأحسن ، وخططنا هي الأكمل ، لقد صار من السهل المقارنة بكل يسر ، بين الكلام والفعل ، والشعارات والتطبيقات ، بين الحلول التي صنعها البشر للخروج من أزماتهم ، وبين التصريحات الرنانة التي تخترع العقبات لإسكات الناس. • نحن في مرحلة جديدة ، اختلفت فيها موازين القوى ، وأسلحة التغيير ، وأسقف التعبير ، وشكل التكتلات ، وأساليب الجذب ، وآليات السيطرة ، فلا مجال للعيش على النمط القديم ، والعقل القديم ، والحال القديم ، والتخطيط القديم ، بل الواقع يتطلب صياغة جديدة على كل المستويات ، ودراسة أوجه الخلل وسبل النجاح. • نحن في مرحلة جديدة ، تفكفكت فيها كل الأشياء الكبيرة ، من أنماط التفكير ، إلى ذرات التفجير ، فلا مجال للهروب عن الواقع ، ولا مكان للخائف من المستقبل. الفرصة مواتية فقط لمن يستثمر لنفسه وأولاده وتلاميذه في المعرفة والتخصص والثقافة الجادة ، ويبني بعدها مشروعات عظيمة. • نحن في مرحلة جديدة ، كل ما حول الناس تغير ، السلع تغيرت ، والاهتمامات تغيرت ، والنفوس تغيرت ، والقناعات تغيرت ، وكل شيء في الحياة اليوم قائم على مبدأ الاستهلاك ، الاستهلاك المالي ، والاستهلاك المعرفي ، والاستهلاك الإيماني ، فلا مجال للمراوحة في نفس المكان ، والرضا بنفس الحال ، والتزود بنفس الزاد ، بل لابد من تربية النفوس وتهيئتها بعمق وتوازن وتجديد ، لمرحلة الكسب المادي والإيماني ، بطرق نافعة ، تناسب الحال وتغيرات الزمان والمكان. • نحن في مرحلة جديدة تضغط فيها الهموم السياسية ، والاجتماعية في كل الاتجاهات وطيلة فترات اليوم ، فلا مجال للاستسلام للضغوط ، وتفريغ الهموم في البيت وعلى الأهل والأولاد ، بل لابد من التنفيس ، والاسترخاء المنتظم ، وتهيئة أجواء الراحة ، بشكل يبعث على التجديد ، ويحافظ على طمأنينة النفس. • نحن في مرحلة جديدة ، قلت فيها دوائر الممنوع ، وكثرت فيها الإغراءات التي غزت كل شيء ، فلا مجال للتهاون ، واستمراء الغياب عن واجبات التربية ، ومسؤوليات المحافظة على القيم والآداب. • نحن في مرحلة جديدة ، يتقدم فيها قوم ويتأخر فيها آخرون ، وساحات التأثير اليوم لا ترفع قبعة التحايا لمن لم يطور مفهومه وفلسفته وفق تجدد الحياة معرفياً ودعوياً وإعلامياً وسياسياً ، فلا مجال للاتكاء على تاريخ مضى ، وسجل رحل ، إنما الساحة اليوم لمن يرغب في المواكبة معرفياً ومهنياً لمتطلبات الحياة الجديدة ، مع الاحتفاظ بالمبادئ. • وبعد ، فلا ندري لعله بعد شهر واحد نعيد الكتابة هنا بنظرة مختلفة عن واقع العرب ، فما حصل في تونس في (28 يوماً) ومصر في (18 يوماً) ، غيرَّ خريطة التاريخ ، والجغرافيا ، والإدارة ، والاجتماع ، والسياسة ، وحتى الدعوة !!