كان موقف الجامعة العربية من النظام الليبي سريعاً ومتميزاً وحازماً ، ومع أن البعض يظن حتى الآن أنه كان دعوة إلى التدخل الغربي في إحدى البلاد العربية إلا أن أصحاب هذا الظن أو الرأي لا يقدمون حلاً بديلاً منطقياً يوقف استشراء القتل في الليبيين الأبرياء الذي خرجوا وتظاهروا للمطالبة بحريتهم وحقهم في العيش الكريم ، فلم يجدوا أمامهم إلا خياراً واحداً له اسمان: الموت البطيء أو القتل العاجل ، يعني إما الموت البطيء تحت حكم العقيد وأسرته التي ستتوارث الكرسي والأسلوب ، وإما القتل بآلته العسكرية ومرتزقته المتوحشين ، وأمام هذا الواقع الأليم استجابت الجامعة العربية لاستغاثات الليبيين ، وكان موقفها المعروف الذي يستند إلى معرفتها الواقعية بحال أعضائها وعدم قدرتهم على الحل السياسي أو التدخل العسكري ، فأسندت الأمر إلى القادرين في العالم ، والسؤال الآن هو: أين الجامعة العربية مما يحدث للشعب السوري الشقيق ؟ إن مما يثير الاستغراب أن بعض المسؤولين العرب مازالوا يرددون أن سورية ليست مثل ليبيا ، ولا يقدمون تفسيراً منطقياً لما يقولونه ، فهل يقصدون الموقع الجغرافي أم السياسي أم الحل الذي اتخذه النظام هناك لمواجهة مطالبة الشعب بالحرية والعدل والحياة الكريمة ؟ عندما اتخذت الجامعة موقفها من نظام القذافي الغاشم كان عدد القتلى قد تجاوز خمسة آلاف ، فهل الجامعة تنتظر إلى أن يصل العدد في سورية إلى هذا الرقم أو أكثر ؟ وجاء موقف الجامعة بعد أن تأكد لها أن القذافي لا يعرف إلا لغة الرصاص وبطش المرتزقة ، فهل الجامعة حتى الآن لم تشاهد المدرعات والدبابات وهي تحاصر المدن السورية وشبيحة النظام مع جيشه يمطرون المسالمين بالرصاص ؟ النظام السوري مثل الليبي لايعرف القنابل المسيلة للدموع ولا الهراوات ولا خراطيش المياه الحارة فهو لا يعرف إلا الرصاص الحي ، وما زال يظن كما ظن مماثلوه السابقون واللاحقون ذلك سيحول بين المواطنين العزل وبين المطالبة بحريتهم سلمياً ، وما تيقن ولن يفهم أنهم أصبحوا يفضلون الموت برصاصه على الحياة في سجن أبدي، ومع ذلك مازالت الجامعة العربية تتفرج وكأن الأمر لا يعنيها. مؤلم ومحزن ومؤسف أن يكون الغرب أكثر رأفة بالإنسان وأشد حفظاً لحقوقه وحريته ممن يدعون الإسلام ويتغنون بقيم العروبة ونخوتها ، ومخجل ومدعاة للموت كمداً أن يتنادى هذا الغرب لتوحيد الجهود وفرض العقوبات من أجل أن يكف بعض قادة المسلمين والعرب عن قتل مواطنيهم بينما العرب والمسلمون يتفرجون ، أليس هذا موجعاً حد نزع الروح مزقاً ؟ وحتى لايغضب مني مرضى المؤامرات أو يهيجون على ما أقول ، فإنني لا أطالب الجامعة أن تحيل أمر النظام السوري وما يفعله بشعبه إلى مجلس الأمن فوراً ، وإنما على الأقل يجتمع أعضاؤها الدائمون ويتخذون موقفاً معلناً يتضمن تعليق عضوية سورية في الجامعة ودعوة النظام إلى الكف عما يفعله ، أو يجتمع وزراء الخارجية ويقترحون حلاً ، مثلما فعل مجلس التعاون لدول الخليج العربي نحو النظام اليمني، على الأقل يشعر النظام السوري أنه ليس أخاً ولا شقيقاً ولا مدعوماً طالما استمر في نهجه العدواني نحو شعبه. إن سابقة الجامعة المتميزة نحو الشعب الليبي ، وموقفها الحازم في وجه نظام القذافي يحتم عليها أن تضع ذلك منهجاً لدعم الشعوب المسحوقة ، وقد كانت نجدتها للشعب الليبي مشرفة ، ولا مناص لها الآن من اتخاذ موقف مماثل لنجدة الشعب السوري أو أن تقدم تفسيراً منطقياً مقنعاً لصمتها واتخاذ موقف المتفرج. استغاثات الشعب السوري استفزت الأوروبيين والأمريكيين فنطقوا وبدأوا يهددون بالعقوبات الاقتصادية وغيرها، بينما بعض الساسة العرب ما زالوا يرددون سورية ليست مثل ليبيا فهل الجامعة العربية وأمينها العام عمرو موسى ما زالوا من الأحياء؟