إن القارئ لصفحات الأحداث بالمنطقة العربية ليجد أصابع إيران خلف معظم أحداث المنطقة ، وبخاصة الشطر الآسيوي من الوطن العربي . والذي قرأ التاريخ يعرف أن القيادات الجاهلة بطبيعة الأمور تصدر مشاكلها الداخلية للخارج ، وتنسى أن هذا التصدير مؤقت فهو يعالج الأعراض ولا يعالج الداء ، قد يسأل البعض: وكيف يتم تصدير المشاكل الداخلية للخارج ، فأقول: يتم تصدير المشاكل الداخلية للخارج عن طريق إثارة الفتن هنا وهناك لتقنع شعوبها أنها قد وفرت لهم الأمن والأمان بمنأى عن الشرور . إن أصابع إيران تعبث بالأمن القومي العربي منذ ثورة الخميني إلا أن المشاهد الآن أنهم لا يستخفون بل يجهرون بالحقد والكراهية لكل ما هو عربي ، بل إنهم يجترون أحلام الجاهلية ويظنون أن انحسار المد الثوري للقومية العربية قد أفسح لهم المجال ليلعبوا بالنار في بيوت العرب الآمنة المطمئنة مستخدمين الشعارات الرنانة وبعثرة الأموال والسلاح تارة والتهديد والتخويف للبلدان الصغيرة تارة أخرى ، بل يستخدمون أهل مذهبهم الذين يعيشون في بعض بعض البلدان العربية أدوات لإثارة القلاقل وأبواقاً لهم ، رغم أن الدين الإسلامي يبغض إثارة النعرات والقلاقل في المجتمع ، ولكن أين هم من تعاليم الدين الإسلامي ، وهناك فرق بين التشيع في الإسلام والمذهب الصفوي الذي أنشأ جماعات في بعض البلدان العربية وأحزاباً في أخرى كلها تدين بالولاء لهم رغم اختلاف المشارب ، والمؤسف حقاً أنهم لا يدينون بالولاء لأوطانهم التي يعيشون على أرضها ويطعمون من خيراتها ويستظلون بظلها ، فولاؤهم لأصحاب العمائم السوداء . والحقد الإيراني ليس وليد اليوم أو عشرات السنين ، بل يتجاوز ألفا وخمسمائة عام ، فبعد إقدام كسرى أنوشروان على قتل النعمان بن المنذر ملك العرب سير جيشا جرارا بقيادة رستم لإخضاع العرب ، وعندها هبت القبائل العربية الأصيلة بقيادة هانئ بن مسعود (على حد علمي) لرد المعتدين ، والتقى فرسان العرب الشجعان الجيش الذي سيره كسرى في موقعة ذي قار بالعراق ، واستطاع العرب إلحاق الهزيمة والعار بجيش كسرى النظامي المجهز عتادا وعدة ، وكانت الفاصلة ، وفي تلك الليلة المباركة ولد سيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- ، ليلتها انشق إيوان كسرى وبدأ نور الهدى يشع من مكةالمكرمة . المسلمون شيعة وسنة يؤمنون بالله ورسوله والكتاب الذي أنزل على رسوله ، وأتباع المذهب الشيعي في الوطن العربي من ذوي الأصالة والشهامة العربية يعرفون أنسابهم ويفخرون بانتمائهم ولم نشهد قبل ثورة الخميني شيعيا واحدا في البلاد العربية إلا ويدين بالولاء والانتماء لبلاده وعلمها . ولكن منذ مجيئ الخميني من منفاه بباريس إلى إيران بدأ تصدير القلاقل إلى الجيران دون مراعاة حق الجار ، لم تكن هناك بين أبناء الوطن الواحد شيعة أو سنة فكلهم مواطنون ، لكن بدأت إيران في تأليب أتباع مذهبها واستخدامهم بطريقة تدعو للدهشة والاستغراب ، إنهم يبقون سمومهم لترسيخ الفرقة والوقيعة بين أبناء الدين والوطن ، ويستغلون المذهب في إثارة الفوضى والدمار ، وما نسينا ما فعله حجاجهم لسنوات في مواسم الحج واعتداءهم على أهل الحرم الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا . يا أهل الوطن الواحد ؛ أنتم تعرفون جيدا أصولكم العربية فلا تنساقوا وراء نعرات غريبة عليكم وعلى مجتمعاتكم ودينكم ، فإنكم إن فعلتم فقد أسلمتم قيادتكم لمن لم ولن يرحمكم ؛ تظن الدولة الصفوية أنه قد آن الأوان لها لتبني أمجادها على رفاة العرب الذين تفرقوا شيعا تحسبهم جميعا وهم شتى كل حزب بما لديهم فرحون ، لكن الله بالغ أمره وسيجعل بعد عسر يسراً .