من عادة المجتمعات أن تثور فيها بين الحين والآخر بعض القضايا أو الأحداث التي تشعل الرأي وتصبح حديث الصحافة والأفراد والمنتديات والمجالس , ويقل الحديث عن تلك الأمور بمجرد قيام قضية أو حصول حدث آخر يجعل الناس لا تنفك بالحديث عنه . إحدى الأحداث متعددة الأبعاد التي طرأت على السطح في الفترة الأخيرة تتمثل في التصريحات التي أدلى بها لاعب الهلال الأجنبي رادوي تجاه لاعب النصر السعودي حسين عبدالغني . والتي وصفته بلفظ فيه نوع من القذف , وقد تسببت تلك التصريحات المثيرة للجدل في زيادة الاحتقان الحاصل لدى الجماهير حتى وصلت إلى حد تجاوزت فيه حدود الرياضة , وبات هناك نوع من الكراهية والتحزبية بين جمهور فريقين ينتمون إلى وطن واحد !!! وبعيدا عن المناقشات وأبعاد تلك التصرفات من الناحية الرياضية , فقد أصدرت لجنة الانضباط للاتحاد السعودي قرارها القاضي باختصاصها في النظر في موضوع النزاع الحاصل بين اللاعبين , بحجة أن أطراف النزاع هم لاعبو كرة قدم وأن تلك التصريحات بدرت في أعقاب المباراة التي جمعت بين الفريقين , وهو توجه غريب ومخالف للنظام لأن نظام المرافعات الشرعية نص صراحة على اختصاص المحكمة الجزئية في النظر في قضايا القذف باعتبار أنها حد من حدود الله ولأن اختصاص لجنة الانضباط لا يتعدى تنظيم رياضة كرة القدم ودوري المحترفين ومعاقبة غير الملتزمين ببنود اللائحة , ولكنه من المحال أن يتخطى ذلك ويمنح نفسه صلاحيات واختصاصات تخرج عن نطاق سلطته المحددة وفق لائحة الاحتراف , فجريمة القذف مثلها مثل غيرها من جرائم الحدود والقصاص وبالتالي فإن النظام هنا ينظر إلى طبيعة الجرم المرتكب وليس إلى طبيعة الأشخاص مرتكبي الفعل , فلاعب كرة القدم يبقى بشرا في النهاية بغض النظر عن جنسيته أو ديانته وعليه أن يخضع للقوانين والأنظمة الموجودة في البلاد وطالما أنها خرجت عن نطاق السلوك الرياضي. ولكن كان من الأولى قبل حصول الحرب على الاختصاص الولائي وانتقالها إلى وسائل الإعلام وقبل أن تتخذ لجنة الانضباط لقرارها المتسرع باختصاصها بالنظر في الموضوع أن تعرض النزاع للجهة المختصة بتحديد اختصاصات المحاكم أو على أهل الفقه والقانون وأهل الخبرة في هذا الأمر , وإن كنت على يقين بأن جميع تلك الجهات ستتفق على اختصاص المحكمة الجزئية , باعتبار أن الجرم الذي حصل هو أحد حدود الله التي لا مجال للتساهل فيها. كل ما أتمناه هو أن لا يكون التعصب الرياضي هو السبب جراء اتخاذ ذلك القرار المتسرع باختصاص لجنة الانضباط في النظر في قضايا القذف , فالإسلام لم ينظر إلى لون وعرق وجنسية مرتكب الفعل , بل نظر إلى طبيعة الفعل المرتكب ومدى انطباق الحد عليه . والله من وراء القصد