** قبل أيام كتبت عن (موضة المظاهرات) واليوم أكتب عن (حمى المظاهرات) .. ولعل من اللافت أن الشعوب العربية هي الوحيدة في العالم - الثالث على الأقل - التي انتفضت مؤخرا تردد (الشعب يريد إسقاط النظام) .. وبالفعل سقط كل من نظامي (ابن علي) في تونس ، و (حسني مبارك) في مصر ، والآن يطالب الشعب الليبي بإسقاط (نظام معمر القذافي) . ** الإنسان العربي بطبعه ميال أكثر من غيره إلى العاطفة ، ومسألة التقليد أو المحاكاة هي في دمائنا ، وفلسفة (ما فيش أحد أحسن من أحد) تحكم جزء غير قليل من قراراتنا حتى على المستوى الشخصي ، دون النظر إلى فوارق القدرات والظروف ومآلات القرار ، وانظر إذا شئت إلى المحيط الصغير الذي تعيش فيه . ** اللافت أيضا أننا كعرب وجدنا أنفسنا فجأة – مجتمعين – بحاجة إلى الديمقراطية ، وقد كنا رضينا دهرا بغيرها ، ثم انتبهنا في وقت واحد لهذه (الضرورة) وخرجوا جميعا إلى الشوارع دفعة واحدة للمطالبة بها أو الموت دونها . ** وقيل لهم انتظروا شهورا قليلة ، فقالوا (لا) .. ثم قيل هناك إصلاحات قادمة فقالوا (مش ممكن) .. وقيل تعالوا نتحاور فقالوا (مستحيل) .. وقيل (يهديك - يرضيك) فقالوا بصوت صاخب (رأسنا وألف سيف إلا - الرحيل الآن) . ** ان الديمقراطية السياسية الغربية في أساسها لعبة من تحت الطاولة ، وفي الولاياتالمتحدة - كنموذج ظاهر للعيان - لا يتولى الرئاسة شخصية يختاره الشعب الأمريكي على الحقيقة ، وإنما يختارها متنفذون من خلف الستار لخدمة أهداف سياسية استراتيجية ، يكون للوبي الصهيوني دور أساس فيها ، أما صناديق الاقتراع فإنها لا تعدو أن تكون (مظهرية) يريد من خلاله تجميل (اللعبة) بورق سولفان براق . ** وحتى الشورى في الإسلام ليس شرطا أن يكون الحاكم هو من يختاره الشعب جميعهم ، وإنما الذي يختاره هو نفر من الشعب هم (أهل الحل والعقد) بمواصفات يعرفها فقهاء هذا الشأن ، ونحن كشعوب عربية نحن مسلمون أصلا ، والقفز عن الشورى إلى الديمقراطية اتجاه خطير ، لان معنى ذلك إقرارنا ضمنيا على الأقل أنها الأفضل ، وللعلماء رأي مفصل في تفضيل حكم وضعي على حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . ** الغرب الآن يعبر عن دعمه للشعوب العربية الثائرة ، فهل هذا هو حب مفاجئ من الغرب لنا نحن العرب ، أم أن هناك (لغز) في المسألة ، بدليل هذا الصمت الغربي تجاه حالة أكثر وضوحا وهي الحالة الإيرانية ، وبرغم أن حكم الملالي هناك قد زور الانتخابات الأخيرة ، ونفذ حالات قمع هائلة تجاه الشعب الايراني ، ولا زال ينكل بزعيمي المعارضة (مير حسين موسوي ومهدي كروبي) والدليل الأكبر على التزوير هي انتفاضة الشعب الإيراني ، الذي شعر بالإهانة عندما كبحت إرادته وتم القضاء على طموحاته . ** ويبرز وسط هذه المعمعة والضبابية سؤال عفوي ، هل ثمة (مؤامرة) بشكل من الأشكال على العرب تحديدا ، بما يجعل بلادهم مرتعا للفتن والاضطرابات الداخلية والفوضى والانشغال عن التنمية ، وتحويل الأرض العربية من المحيط إلى الخليج إلى مظاهرات في الشوارع تتنقل من بلد إلى بلد ، تحت دواعي المطالبة بإسقاط الأنظمة (الديكتاتورية) و (تنفس) هواء (الديمقراطية ) . ** نعم هناك مطالب حقيقية للشعوب العربية من قادتها ، وهناك انتهاكات للحريات وجيوش من البطالة لدى الشباب ، وفساد في سدة الحكم وفي من دونهم من المتنفذين ، وحاجة إلى الإصلاحات ، لكن هل يعني أيضا أننا كشعوب عربية لا نمنح الفرصة للحكام لكي يعيدوا ترتيب أوراقهم ، وإجراء الإصلاحات المختلفة والتي تحتاج بالضرورة إلى الوقت ، بدلا من هذه ال (هبة ) .. التي اجتاحت اليمن والبحرين وعُمان والجزائر دفعة واحدة ، وكأن الجميع في قفص أو داخل زنزانة . ** قبل أيام أبحرت سفينتين إيرانيتين عسكريتين من قناة السويس الى سوريا ، ولم تعترضهما إسرائيل ، بينما أقامت الدنيا ولم تقعدها على السفينة التركية التي كانت قادمة قبل أشهر الى غزة لتقديم الطعام فقط والدواء للغزيين ، واضطرت إلى عمل إنزال كوماندوز على ظهرها وارتكبت مذبحة مروعة صمت عنها الغرب إلا من فرقعات إعلامية خجولة . فما معنى هذا؟ ** ياعرب ، يا شعوب .. انتبهوا وتعاملوا بالعقل ؟ .. ويكفي كم ضحك علينا العالم - من قبل ؟