السلبيات بصفة عامة تبدأ فردية، وحين لا تجد العلاج تنمو وتتكاثر حتى تغدو ظاهرة، ومن البديهي أن محاصرة وعلاج السلبية في إطارها الفردي أسهل كثيرا منها عندما تصبح ظاهرة، فمثلا زواج القاصرات حدث عدة مرات وأعلن عنه وارتفعت الأصوات مطالبة بتحديد سن الزواج بصورة نظامية، وفي مقابل ذلك ارتفعت أصوات أخرى بعضها من مجلس الشورى وهيئة حقوق الإنسان تقول إنها حالات فردية، ومثل هذا القول يريد أن يؤكد أن لا مشكلة فلننتظر إلى أن تصبح ظاهرة ثم نعالجها، والواقع يقول إن المشكلة تكمن في هذا المنطق الذي لا يقيم وزنا للفرد الذي هو أساس بناء المجتمع. الآن لدينا ظاهرة الطلاق، إذ تشير الإحصائيات إلى حالة طلاق كل نصف ساعة في المملكة مقابل خمس حالات زواج في نفس الوقت، وحتى لا نقلل من حجم المشكلة لك أن تتصور أن هناك قوة تبني 240 بيتا في اليوم، وهناك قوة أخرى تتعقبها فتهدم 48 بيتا منها في نفس المدة، ألا يعد ذلك أمرا خطيرا، إن إحصائية بناء وهدم البيوت السابقة هي ذاتها ما يحدث في المجتمع السعودي يوميا وليس شهريا، فالزواج هو بناء بيت وعكسه الطلاق، أفلا يتطلب هذا وقفة جادة لبحث أسباب الظاهرة ومعالجة تلك الأسباب لإيقافها حتى لا تزيد في ظل إهمالها. هناك جهود تبذل هنا وهناك عن طريق بعض الجمعيات الأهلية لتوعية وتهيئة المقبلين على الزواج من الجنسين، وهي جهود تستحق التقدير والتشجيع والتعميم، بل والإلزام بحضورها بحيث تكون مثل الفحص الطبي الملزم قبل الزواج، لكنها وحدها لا تكفي لمعالجة ظاهرة الطلاق، فلا بد من دراسة الظاهرة دراسة عميقة والوقوف على أسبابها المختلفة في كل بيئة من البيئات الاجتماعية المحلية، ومن ثم وضع العلاج المناسب لكل سبب، فهي لاشك كثيرة ومتداخلة ومتكاملة، وأنا أدرك أن القضاء المبرم عليها مستحيل، فالناس سيظلون يطلقون لأسباب كثيرة لكنني أتطلع إلى التخفيف من حدتها، بحيث تصبح في مقبل الأيام والسنين حالة كل ساعة ثم كل ساعتين وهكذا. إذا نظرنا بموضوعية وواقعية إلى حال المطلقات في مجتمعنا، فإننا سنعرف كارثية هذه الظاهرة عليهن بصفة خاصة، فهن غالبا يتحولن إلى منبوذات كسيرات حتى من أهلهن، كما أن فرصهن في الزواج مرة أخرى تتضاءل لدرجة الانعدام بعكس الرجال، هذا فضلا عن ضنك المعيشة الذي يصبحن في أتونه سيما من تخرج منهن من التجربة بطفل أو أكثر، في ظل عدم وجود أنظمة واضحة وصارمة فيما يتعلق بشؤون النفقة والتربية ونحوها، ولهذا فإن دراسة ظاهرة الطلاق وعلاج أسبابها مهمة وملحة، ولكن وضع المطلقات الآن أكثر إلحاحا وكارثية، ولا أجد حرجا في القول إن لدينا الآن قتيلة كل نصف ساعة.