عندما صدر أمر خادم الحرمين -أطال الله في عمره وأعاده إلى أرض الوطن سَالمًا مُعافى- بتخصيص علاوة غلاء المعيشة بنسبة (15%) لمدة ثلاث سنوات ، وقبل صدور الميزانية الحالية بوقتٍ قصير صدرت تطمينات للجميع بأن العلاوة ستستمر ، وهذا ما حصل والحمد لله رب العالمين. وبعد صدور الميزانية وإبقاء العلاوة خارج الراتب، يتساءل الكثيرون عن إبقائها منفصلة عن الراتب ، بكل ما يترتب على ذلك من إجراءات محاسبية لدى الوزارة والبنوك ، التي تتولى إيداع الرواتب في حسابات الموظفين. والمعلوم أن وزارة المالية -الموقرة- تحرص على التوفير لدرجة أنها تحسب الهللات وتصر على أن تكون الحسابات الختامية محكمة مائة في المائة ، والهللة الواحدة تعد نقصًا ، أو زيادة ، تخل بميزان قفل الحسابات. والأمر كذلك ، فهل من المتوقع إلغاء تلك العلاوة مستقبلًا؟ هذا من الأسئلة المتداولة لأن ارتفاع الأسعار مشتعل في كل الاتجاهات ، والدخل والإنفاق الحكومي في ازدياد ولله الحمد والمنة. والواقع أن ارتفاع الأسعار من الأمور الشائكة أمام المسؤولين عن الشؤون المالية وضبط الإنفاق في حدود الدخل القومي من أجل الابتعاد عن العجز في الموازنة ، وحرصًا على التحكم في الإنفاق للحد من التضخم الذي يرهق المواطن ويضر بالاقتصاد بصفة عامة. والتجارب الماضية تفيد -أيضًا- أن أي زيادة في الرواتب يصاحبها قفزة في الأسعار تحول دون تحقيق الهدف من وراء الزيادة ، الذي عادة ما يكون مُوجَّه لمساعدة الموظف من التخلص من الديون وتسديد القروض ، أو التوفير لشراء منزل ، وأي احتياجات أخرى يحتاج لها الفرد وأسرته. والبعض يرى أنها سرعان ما تتحول إلى عبء إضافي بدلًا من أن تساعد المواطن على تلبية بعض احتياجاته. ومن الملاحظ على تلك العلاوة ، أنها توحي بإمكانية إيقافها ، إلى جانب أنها لم تراع أصحاب الدخل المتواضع ، حيث إن النسبة المئوية مسحوبة على حجم الراتب وهذا يعني أن أصحاب الرواتب العالية هم الأكثر استفادة منها. الموظف ، يكسب ، ويوفر ، ويستثمر ، وينفق ، من خلال الإطار العام للاقتصاد الوطني- وليس خارجه- ولذلك يجب أن يكون دخله معقول ، ومريح ، حتى ينأى بنفسه عن مغريات الدخل غير المشروع ، ويتفانى في العمل والإنتاج. كما يجب النظر بجدية في حجم تقلب الأسعار الذي يفتك بدخل المواطن بصفة عامة ، ولا يوجد ضوابط آلية للحد من موجة الغلاء المستعرة. كما أن الأعباء التي يتحملها المتقاعدون في آخر مشوار الحياة التي قضى الموظف جلها في خدمة الدولة ، وأصبحت الحياة جمودًا في الراتب ، وجحودًا في العلاقات .. إلا من رحم ربي .. بينما الموظف الذي ما زال على رأس العمل يحصل على علاوة -مستحقة- في آخر العام ، ويحظى بالحفاوة والتقدير بصفته ما زال على رأس العمل. ومن هذا الطرح يتضح أن ضم علاوة غلاء المعيشة إلى الراتب يوفر الأعباء الإدارية والمالية المترتبة على خزينة الدولة ، ويقضي على شكوك إيقاف تلك العلاوة ، وأن وتيرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية -على وجه الخصوص- يجب التصدي لها ، حتى لا ترتفع الأصوات بالمطالبة برفع الرواتب لتخفيف معاناة الموظفين والمتقاعدين. وفي الختام ، فإن العلاج ، والرعاية الصحية ، من الأمور الملحة المطلوب تأمينها للمتقاعدين لحمايتهم من الإهمال ، والاستجداء عند الحاجة .. والله من وراء القصد.