من سوق سبت بلجرشي .. إلى سوق خميس الاحساء .. إلى سوق الأحد بمدينة جلاسجو الاسكتلندية .. وصل قطار رحلة العمر بكاتبكم إلى اسكتلندا .. بلد القبائل المنقرضة .. وبلد العقول المشهورة .. هبطت في اكبر مدنها .. بأمتعتي النفسية .. وهمتي الدراسية. جلاسجو المدينة الكبيرة .. بزخم التاريخ والتحديات .. وزخم الانجازات العلمية .. غنية حتى بالمياه التي ابحث عنها. غريب أن تكون دراستي عن شح المياه في بلاد المياه .. ما هذا التناقض؟!.. هناك من يسأل .. البعض ينسى أن العالم سوق كبير للعلم وأهله .. العلم لمن يتقنه. في هذه المدينة عرفت جذوري العربية .. كمقارنة ، عرفت جذور أهل اسكتلندا .. بلغتهم الخاصة ولباسهم .. بتاريخهم وتراثهم الخاص .. منها موسيقى القرب .. امتدت طموحات الانجليز .. لتقطف مستقبل هذه الأرض في الشمال .. استثمرته لخدمة النفوذ الانجليزي .. أصبحت بريطانيا تعرف باسم : المملكة المتحدة .. مكوناتها انجلترا في الجنوب .. ثم ويلز في الوسط. .. واسكتلندا في الشمال. الحديث ليس عن اسكتلندا كجزء من بريطانيا العظمى .. هوية مازالت تبحث عن جذورها المفقودة .. لتروي ظمأ التطلع المتعطش إلى ماضيها من خلال عاصمتها الشهيرة .. (أدنبرة) .. بقلعتها الشهيرة .. مازالت تعبر عن معاناة ثوار اسكتلندا في وجه بطش الانجليز. انتقلت من سوق الخميس المتاخم للصحاري الكبيرة .. برمالها المتحركة .. وحرارتها اللافحة .. إلى سوق الأحد في قلب مدينة جلاسجو .. بنهرها الشهير .. وخضرتها الدائمة .. وأمطارها الوفيرة .. وجوها البديع .. معالمها تشهد على الماضي العظيم. تقع الجامعة التي استضافتني للدراسة بجوار السوق .. وكنت قادما من جامعة الملك فيصل .. يجاورها سجن الاحساء العام .. ويسأل كل زائر للجامعة : لماذا الجامعة بجانب السجن؟! هو أيضا جامعة .. وسوق للتهذيب وتغيير السلوك نحو الأفضل .. الحياة بكاملها سوق كبير .. يخضع للربح والخسارة .. جميل أن يكون الجميع رابحا في سوق الحياة. رحلتي مع الأسواق ممتعة ومخلصة .. من سوق السبت في بلجرشي إلى سوق الخميس في الاحساء .. إلى سوق الأحد في مدينة جلاسجو الاسكتلندية .. هناك أسواق أخرى كثيرة .. منها سوق الليل في الغربية .. وسوق الحب في الشرقية. الرحلة هنا بين سوقين .. سوق عربي وآخر غربي .. هل هناك اختلافات؟!.. سوق الأحد الاسكتلندي يقع وسط مدينة جلاسجو .. ورغم كبرها الجائر .. كثاني اكبر مدينة في بريطانيا العظمى بعد مدينة لندن .. إلا أن السوق لم يُحارب .. لم يتم تهجيره إلى أطراف المدينة مع الكلاب الضالة. لم يخدش حياء المسئولين في المدينة .. لم يؤثر في نظرتهم لأنفسهم .. لم يعتبروه علامة تخلّف .. لم تعجزهم إدارته .. ظل حيا في ذاكرة المدينة .. يعبر عن تاريخ .. ونشاط .. وفلسفة حياة مستمرة. كنت اقضي مع الناس وقتا طويلا كل يوم أحد .. مستمتعا بما يدور في السوق .. بعد أسبوع دراسي منتظم .. كنت في الجامعة من الساعة السادسة صباحا وحتى السادسة مساء .. دون كلل أو ملل .. كنت أرى نفسي في مهمة عمل رسمية .. يجب تنفيذها بنجاح وتفوق .. وأيضا استمتاع .. يشهد الله وزملائي والجامعة والتقارير الدراسية على ذلك. وجدت سوق الأحد .. كبقية الأسواق الشعبية .. للسوق نشاط احتفالي لم أجده في سوق خميس الاحساء .. كان موجودا في سوق السبت .. بجانب النشاط التجاري ، هناك المطاعم الشعبية .. تقدم أطباقا مختلفة للسوق .. وجدت نوعا من الأكل كنت اعرفه في بلاد غامد .. خبز بلدي مع البصل .. أكلت من هذا الخبز كثيرا .. وتشبعت من أشياء أخرى .. مطاعم ليوم واحد .. مع الغروب ينفض السوق .. ويظل خاليا ليوم أحد قادم. وجدت في السوق جانبا لقراءة الطالع .. أو البخت أو الحظ كما يدعي العربان .. دخلت في احد أكشاكه .. وجدت أن اغلب زبائنه نساء بدا عليهن البؤس النفسي والمعاناة .. اعتقدت أن معظمهن مسلمات .. هكذا بدا لي .. في المدينة جالية كبيرة من المسلمين البريطانيين .. لهم مشاكل .. الجميع يبحث عن حل حتى في سوق الأحد الشهير. كنت اشتري ما يروق لشخصي كطالب وسائح .. الفضول يدفعني للتركيز في كل شيء أراه .. تعرفت على الكثير من البشر .. أصبح وجهي مألوفا للكثير منهم .. يرحبون عند رؤيتي أمامهم .. أصبحت أيضا مرشدا سياحيا لزملائي في السوق. احتفظت بالكثير مما شريته من سوق الأحد .. بعض هذه الأشياء سرقت من بيتي .. وقد تعرض للسرقة بعد عودتي مباشرة .. مازلت احتفظ ببعض المقتنيات .. لم تكن في البيت وقت حدوث السطو الجبان على البيت .. منها ذكرياتي التي لا يراها غيري .. ويستمر المقال بعنوان آخر.