لا بد من التفريق بين أمرين يختلطان على كثير من الناس – أو على الغالبية منهم – في بلادنا خاصة، ألا وهو الفرق بين الاجتهاد أو الفتوى أو الرأي أو الاقتراح مهما كان مصدره وبين الأمر أو الموافقة التي تصدر من ولي الأمر، ولا بد أن أضرب لذلك مثلا حتى تتضح الصورة، فمثلا أسعار الوقود في بلادنا وخاصة البنزين رخيصة جدا وهناك من يرى ضرورة رفعها، وهناك من يرى العكس، ولكل طرف مبرراته، فلنفرض – على سبيل المثال - أن مجلس الشورى تبنى الرأي القائل برفع أسعار الوقود بناء على اقتراح أو سؤال مني أو من أي شخص آخر أو عضو أو أكثر من أعضائه، وأصدر قرارا أو رأيا بما تبناه وأعلن ذلك على الملأ كما هي العادة، فهل تبادر شركة – أرامكو – ومحطات الوقود في البلاد إلى الأخذ برأي أو قرار الشورى وترفع الأسعار وتلزم الناس بذلك، على اعتبار أن هذا المجلس معين من الملك وأنه معني بحسب نظامه بدراسة كل شؤون البلاد وإصدار مايراه فيها؟ طبعا، الإجابة معروفة فالمجلس كما يعرف كل الناس أو يجب أن يعرفوا مجلس استشاري وقراراته غير ملزمة إلا بعد أن يناقشها مجلس الوزراء ويتوج ذلك بأمر ملكي أو موافقة من الملك، وهذا هو الأمر الأول، أما الأمر الثاني – ومازلنا في ذات المثال – فلو أن مجلس الوزراء اجتمع وقرر رفع أسعار الوقود بناء على اقتراح من مجلس الشورى أو المجلس الاقتصادي الأعلى أو وزارة المالية أو البترول أو لأي سبب آخر، ألا يصبح القرار ملزما لأرامكو ولمحطات الوقود وللمستهلكين، ألا تجدون فرقا بين الأمرين؟ مجلس الشورى ومجلس الاقتصاد الأعلى معينان من الملك ولكل منهما اختصاصاته وصلاحياته، لكن ما لم يأخذ الملك برأي أو اقتراح أو قرار أي منهما فلا أحد ملزم به، فما الفرق بين هذين المجلسين وبين هيئة كبار العلماء وهيئة الإفتاء المعين أعضاؤهما من الملك واللتين حدد الأمر الملكي قصر الفتوى عليهما، أليست أي فتوى تصدر منهما أو من أحدهما لا تختلف عن رأي الشورى أو المجلس الاقتصادي، بمعنى أنها رأي أو اجتهاد أو اقتراح غير ملزم لأحد ما لم يتوجها ولي الأمر بقرار أو أمر أو موافقة؟. أسأل بعد أن قرأت في بعض الصحف أن هناك مراكز تجارية بدأت تعيد النظر أو توقف عمل النساء في وظيفة المحاسبة – كاشير- بناء على الفتوى الصادرة مؤخرا، وقد بدا واضحا أن الناس في بلادنا أو الغالبية منهم لا يفرقون بين الرأي أو الاجتهاد أو الاقتراح مهما كان مصدره، وبين الأمر أو القرار الصادر من ولي الأمر والذي يصبح ملزما فور صدوره، واللبس هنا لم يحدث لعامة الناس بل طال حتى الصحافة ومواقع النت التي راحت تناقش الفتوى، ونسيت أن توعي الناس بأنها رأي حول أمر مختلف فيه، وما لم يصدر من ولي الأمر ما يدعمه ويلزم به فليس من حق أحد تبنيه والإلزام به، سيما أن مجلس الوزراء برئاسة الملك سبق أن أصدر قرارا حول عمل المرأة منذ سنوات والجميع ملزمون بتطبيقه ما لم يصدر ما يمنع التطبيق من ذات الجهة التي أصدرته أي من مجلس الوزراء نفسه، وليس من أي جهة أخرى مهما كانت. لست ضد مناقشة فتوى – الكاشير – وهي رأي أو اجتهاد فقهي تم إعلانه، ولمؤيدها أو معارضها كل الحق في مناقشتها، لكنني أريد من كل من يناقشها ومن وسائل الإعلام جميعها أن توعي الناس وتوضح لهم أن الفتوى أو الرأي أو الاقتراح لا تلزم أحدا في بلادنا مهما كان مصدرها ما لم يتبناها ولي الأمر ويصدر بها أمرا، والفرق بين الأمرين كبير ولكنه يتطلب الإيضاح والتوعية، ولو كانت الفتاوى أو الاجتهادات الفقهية بصفة خاصة أو حتى بعض الاقتراحات التي أصدرتها جهات استشارية ملزمة للناس منذ أن تأسست الدولة حتى يومنا هذا لرأينا العجب العجاب، لكن ولاة الأمر منذ المؤسس رحمه الله حتى يومنا هذا لديهم من الحكمة والحنكة ما جعل بلادنا تواكب العصر مع حفاظها على ثوابتها الدينية والأخلاقية القطعية التي لا خلاف حولها، أما ما يخضع للاجتهاد والرأي ويجوز فيه الاختلاف فإن ولاة الأمر يأخذون بما يجدونه الأصلح للبلاد والعباد مع احترامهم وتقديرهم لكل مجتهد وإعطائه الفرصة كاملة لطرح رأيه أو اجتهاده على الملأ وعلى منابر الحوار المحترم، وهذا ما أعتقد الآن ضرورة توضيحه حتى لا تلتبس الأمور، ويظن بعض الناس أو يتوهم أو يروج عن جهل أو قصد أن العلماء من ولاة الأمور.